تشاك فيني : الملياردير الذي مات فقيراً … لازم تعرف قصته في العطاء الصامت فبالفعل غير وجه العمل الخيري
في عالم يقدّر الثروة والمكانة بالمليارات، برز إسمٌ أعاد تعريف مفهوم النجاح والعطاء.
إنه تشاك فيني، رجل الأعمال الأمريكي الذي جمع ثروة طائلة، ثم أنفقها بصمت على مشاريع إنسانية وتعليمية حول العالم، مفضلاً العطاء الخفي على أضواء الشهرة والترف.
تُعدّ قصته مثالاً فريداً على التفاني في خدمة الإنسانية، وملهماً للكثيرين ممن سعوا إلى الإقتداء بنهجه.
من البداية المتواضعة إلى بناء إمبراطورية عالمية
ولد فيني في عام 1931 في ولاية نيوجيرسي لعائلة من أصول إيرلندية متواضعة، وبدأ رحلته من الصفر.
بعد خدمته في سلاح الجو الأمريكي، التحق بجامعة كورنيل بمنحة دراسية، وهو ما شكّل نقطة تحوّل في حياته.
في الستينيات من القرن الماضي، أسس شركة “ديوتي فري شوبّرز” (DFS)، التي سرعان ما تحولت إلى إسم عالمي مرموق في قطاع البيع بالتجزئة للمسافرين.
ومع إزدهار أعماله، تراكمت ثروته لتبلغ ما يزيد على 8 مليارات دولار.
حياة التقشف وعطاء في الظل
على الرغم من إمتلاكه لثروة هائلة، عاش فيني حياة بعيدة عن أي مظاهر للترف أو البذخ.
فقد أقام في شقة متواضعة في سان فرانسيسكو، وسافر على الدرجة الإقتصادية، وتناول طعامه في مطاعم شعبية بسيطة.
ظل إسمه بعيداً عن الأضواء الإعلامية لعقود، مفضلاً العمل الخيري خلف الكواليس على الظهور العام.
هذا التواضع اللافت كان جزءاً لا يتجزأ من فلسفته في الحياة، حيث آمن بأن العطاء الحقيقي لا يحتاج إلى دعاية أو شهرة.
“العطاء في الحياة” : فلسفة ألهمت الأجيال
في ثمانينيات القرن الماضي، أسس فيني مؤسسة “أتلانتيك فيلانثروبيز”، وبدأ بتحويل كامل ثروته إليها.
كان شرطه الأساسي أن تُقدّم التبرعات دون الكشف عن إسمه أو إسم المؤسسة، للحفاظ على السرية التامة.
هذه الرؤية كانت تجسيداً لمفهومه الرائد “العطاء في الحياة” (Giving While Living)، الذي آمن بأن رؤية نتائج العطاء أثناء الحياة أكثر قيمة من ترك الثروات لما بعد الوفاة.
على مدار سنوات، موّلت المؤسسة مشاريع ضخمة ومتنوعة في مجالات حيوية مثل التعليم والصحة وحقوق الإنسان.
شملت هذه المشاريع دعم جامعات مرموقة عالمياً مثل كورنيل وستانفورد، بالإضافة إلى مساهمات فعّالة في جهود السلام في أيرلندا الشمالية، وبناء جامعة كاملة في فيتنام.
لم تكن تبرعات فيني مجرد عطاء مالي، بل كانت إستثمارات إستراتيجية تهدف إلى إحداث تأثير إيجابي ودائم في حياة ملايين البشر.
لم يتوقف تأثير فيني عند مجرد العطاء، بل ألهمت فلسفته شخصيات بارزة في عالم المال والأعمال، أمثال وارن بافيت وبيل غيتس.
وقد ساهمت رؤيته في إطلاق مبادرة “تعهد العطاء” عام 2010، التي تشجع المليارديرات على التبرع بمعظم ثرواتهم لأغراض خيرية.
نهاية رحلة العطاء الصامت
في عام 2020، أعلن تشاك فيني إغلاق مؤسسة “أتلانتيك فيلانثروبيز” بعد أن أنفقت كامل أصولها تقريباً، محتفظاً فقط بمبلغ لا يتجاوز مليوني دولار لتأمين حياة بسيطة له ولزوجته.
حضر حفل الإغلاق الإفتراضي شخصيات عالمية مرموقة، بما في ذلك بيل غيتس ورئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي بيلوسي، تقديراً لجهوده وتأثيره.
على مدار أربعة عقود، قدّم فيني ما يزيد على 8 مليارات دولار لأغراض خيرية.
شملت هذه التبرعات 3.7 مليارات دولار للمؤسسات التعليمية، وأكثر من 870 مليون دولار لدعم قضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك حملات لإلغاء عقوبة الإعدام ودعم قانون “أوباما كير”.
كما خصص 700 مليون دولار لمشاريع صحية حول العالم، مما يعكس شمولية رؤيته الإنسانية.
ورغم ظهوره لمرة واحدة فقط على قائمة “فوربس” لأثرياء العالم في عام 1988 بثروة قدرت بـ1.3 مليار دولار، إلا أن الكشف لاحقاً عن تحويله غالبية أمواله إلى العمل الخيري أثار دهشة حتى المقربين منه.
إرث لا يزول
توفي تشاك فيني في أكتوبر 2023 عن عمر ناهز 92 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً لا يُقدّر بثمن من التواضع والعطاء الهادئ، وليس قصوراً فارهة أو سيارات باهظة.
وصفه وارن بافيت بأنه “نموذج يُحتذى به”، و الملياردير الذي مات فقيراً فيما أكد بيل غيتس أنه “مهّد الطريق أمام جيل جديد من المانحين”.
رحل فيني عن العالم شبه خالٍ من الممتلكات المادية، لكنه خلّد إسمه بحروف من نور في سجل العمل الإنساني، بوصفه الرجل الذي جعل من الثروة وسيلة للخير، لا غاية للتفاخر، وترك لنا درساً عميقاً في معنى الحياة والعطاء.