ظاهرة التحدث أثناء النوم : ما تكشفه الأبحاث عن أسرار الدماغ النائم
يُعدّ التحدث أثناء النوم، أو ما يُعرف علميًا بـ الخطل النومي (Parasomnia)، ظاهرة شائعة ومثيرة للفضول تُصيب نسبة كبيرة من البشر، وتتراوح بين همهمات غير مفهومة وعبارات حادّة مليئة بالمشاعر.
في الواقع، يُقدر أن نحو ثلثي الأشخاص يتحدثون أثناء نومهم في مرحلة ما من حياتهم، وهي أكثر شيوعًا بين الأطفال. لكن، ما الذي يجعل ألسنتنا تتحرك دون وعي؟ وإليكم ما تكشفه الأبحاث اليوم عن هذا الإضطراب المؤقت في نشاط الدماغ.
جوهر الظاهرة : إضطراب مؤقت في عمل الدماغ
يحدث التحدث أثناء النوم عندما يفشل جزء من الدماغ المسؤول عن شلل العضلات والكلام أثناء النوم في أداء وظيفته بشكل كامل، مما يسمح للفرد بإصدار أصوات أو كلمات.
وبالتالي، فإنّه يعكس إضطرابًا مؤقتًا في نشاط الدماغ في أثناء النوم، ويمكن أن يحدث في أيّ مرحلة من مراحل النوم، سواء كانت مرحلة حركة العين السريعة (REM) المرتبطة بالأحلام الواضحة، أو مراحل النوم غير السريع (Non-REM) الأعمق.
بالرغم من ذلك، لا يزال الرابط بين التحدث والأحلام غير واضح تمامًا للباحثين، حيث إنّ معظم الكلمات التي تُقال لا ترتبط بالضرورة بقصة حلم محددة.
أسباب وعوامل تزيد من إحتمالية التحدث أثناء النوم
في معظم الأحيان، لا يستدعي التحدث أثناء النوم القلق، ويُعدّ حالة حميدة.
ومع ذلك، يمكن أن تزداد وتيرته وشدته في أوقات وظروف محددة. على سبيل المثال، يُمكن أن ينجم هذا السلوك عن مجموعة من العوامل، أبرزها
الضغط العصبي والتوتر : يُعتبر الإجهاد والضغوط النفسية أحد أهم الأسباب.
الحرمان من النوم والإرهاق : عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم أو التعب الشديد أثناء النهار يزيد من إحتمالية حدوثه.
الحالات الصحية : مثل الحمى الشديدة أو المرض بشكل عام.
إضطرابات النوم الأخرى : يمكن أن يكون الكلام مصاحبًا لإضطرابات أخرى مثل الذعر الليلي أو إضطراب سلوك نوم حركة العين السريعة (RBD).
العوامل الوراثية : تُشير الأبحاث إلى أن الجينات قد تلعب دورًا في قابلية الشخص للتحدث أثناء النوم.
ماذا تكشف أبحاث تحليل المحتوى؟
عادةً، لا يتذكر الشخص الذي يتحدث أثناء نومه أيّ شيء مما قاله عند إستيقاظه. في هذا الصدد، قامت بعض الأبحاث بتحليل محتوى هذا “الثرثرة الليلية”، وكشفت عن نتائج مثيرة للإهتمام:
الطبيعة السلبية للكلام : وجدت دراسات أن غالبية الكلمات المنطوقة أثناء النوم كانت ذات طابع سلبي، وكثيرًا ما تضمنت عبارات غضب أو تعبيرات عن إنفعالات حادّة.
لا إفشاء للأسرار : على عكس الإعتقاد الشائع، تشير الدراسات إلى أن التحدث أثناء النوم نادرًا ما يكشف أسرارًا بالغة الأهمية أو يعطي معلومات دقيقة يمكن الإعتماد عليها في الواقع، وغالبًا ما يكون الكلام مجزأً أو غير منطقي.
الأكثر شيوعًا : كانت الجُمل الموجهة أو التي تحمل صيغة سؤال أو نداء هي الأكثر شيوعًا.
على سبيل المثال، الجملة المذكورة في سياق الخبر: “تبدأ معركة الخردل بعد ربع ساعة. هل إصطف الجميع من أجلها؟” “نحن نلعب لعبة الإختيار العشوائي للطعام، لعبة الإختيار العشوائي” توضح الطبيعة غير المنطقية والمتقطعة للحديث.
متى يستدعي الأمر إستشارة الطبيب؟
على الرغم من أن التحدث أثناء النوم عادةً لا يتطلب علاجًا متخصصًا، إلا أنّه يصبح مدعاة للقلق في حالات معينة تستدعي إستشارة إختصاصي النوم.
لذلك، يجب التوجه للطبيب إذا :
- بدأ التحدث أثناء النوم فجأة كشخص بالغ.
- إنطوى الحديث على صراخ شديد، أو أفعال عنيفة، أو نوبات من الذعر الشديد.
- كان الحديث شديدًا أو مستمرًا لفترة طويلة وأثّر سلبًا على نوعية نومك أو نوم شريكك.
وختامًا، يبقى التحدث أثناء النوم ظاهرة آسرة تذكرنا بأن عقولنا لا تتوقف عن العمل حتى ونحن غارقون في أعماق السبات، وبالتالي، فإنّ فهم آلياتها يُسهم في فهم أعمق لأسرار الدماغ البشري.














