ريچيم الغابة
نُدرك كَم يُنفق الناسُ من وقتٍ ومالٍ على أدويةٍ التخسيس والمُكمِّلات الغذائية والإبر الصينية ومراكز الرياضه أو “الجيم” ومراكز التجميل، كلهم يتبارون في قدرتهم على تخليص الأجساد من دهونها وشحومها والارتقاء بها إلى تكويناتٍ مثالية تُبهرُ الناظرين.
ويظل الواحد منا حائراً بين الأنظمة الغذائية العديدة والإبر الصينية والأدوية الماصة للدهون والمذيبة للشحوم وبالونة المعدة بأنواعها والعمليات الجراحية من قصٍ للمعدة وعمليات تحويل المسار والاستئصال الجراحي الفوري للكتل الدهنية درءاً لتضييع الوقت.
ويظل السؤال، أي الطرق هي الأفضل للحصول عَلى صحةٍ جيدة وقوامٍ رشيق؟
والإجابةُ سهلة وهي مرتبطة بفهمنا لنشأةِ الإنسان في بداية الكون. وتحديداً نشأة وخلق أول جسد بشريّ وهو آدم عليه السلام. فقد خلق الله سبحانه وتعالى آدَمَ من طينٍ جَلبته الملائكةُ من كُلِّ بقاع الأرض بمختلف الألوان، فكان من نسله الأبيض والأسود والأصفر، ثم نفخَ في هذا الطين من رُوحِه، جَلَّ في علاه، فصار آدم أبو البشر، ثم صارت من ضلعه حواء، أمُ البشر.
إذاً، فالإنسان خُلِق من بطنِ الطبيعة، من الأرض، فإذا أردناه صحيحاً سليماً فعلينا العودة بجسده إلى الطبيعة بعيداً عما ألقت به علينا الحضارةُ الحديثة من ضرر.
دعونا نستكمل قصة آدم، فقد غضب الله عليه في القصة المعروفة حين أكل من شجرةٍ حرمها الله، فكان عقابه أن أرسله ربُ العِزةِ مع حواء إلى الأرض، وأرسل معه سيدنا جِبْرِيل ليعلمه كيف يقتات من خيرها ويعيش عليها بعد أن حُرم من الجنة بما فيها من قُطوفٍ دانية. وكانت الأرض في ذلك الزمن بطبيعة الحال بِكراً لم يمسسها بشر، وكان الغذاء من الطبيعة لم تتدخل في تكوينه يدُ البشر، ولم يكن هناك تصنيع للطعام أو كيماويات مضافة أو مُكسِباتٍ للطعم والرائحة بكل ما تحمله من ضرر، ونذكر أن آدم قد عاش ألفَ سنةٍ إِلَّا مائة.
ولكي ننعم بصحةٍ جيدة وقوامٍ متميز فما علينا إلا أن نتخيل أنفسنا في غابةٍ بكرٍ لم تَمسُّها يدُ المدنيةِ الحديثة، كتلك التي عاش فيها جَدُّنا آدم في أول البشرية فنأكل فيها من الطبيعة دُونَ غيرِها ونختار لغذائِنا فقط ما خلقه الله ونتجنب ما تدخل فيه البشر بأياديهم الكريمة قدر المستطاع.
وعلينا أن نتذكر دائما أنه، لحكمةٍ من الله، أن الغذاء الصحي هو الأكثر سهولة في الحصول عليه من الغابة، وأن الغذاء الأصعب في الحصول عليه هو الأكثر ضرراً إذا تناولناه بكثرة أو بنسبةٍ أكبر. أما طريقة الطهي فهي التي يمكن تنفيذها في الغابة بسهولة.
هذا النظام الغذائي أُحب ان أُسميه “ريچيم آدم” نسبةً إلى أبو البشرية أو “ريچيم الغابة” أو “ريچيم العودة إلى الطبيعة”، وهو نظامٌ غذائيٌ نفهمه ولا نحفظه، يعتمد على الغذاء الذي خلقه الله دون تدخل من البشر.
وبالطبع فإن أسهل وأوفر غذاء هو من الخضروات والفواكه. لهذا يجب أن يكون الطبق الرئيسي على موائدنا هو طبق السلطة، ذلك المظلوم دوماً والذي ننساه عادةً في الثلاجة، ونتذكره فقط بعد امتلاء البطون كوننا ننشغل بما هو أكثر ضرراً من أصنافِ الطعام، ثم نُلقيه مع النفايات في اليوم التالي كونه قد ذبل وفقد نضارتَه.
وإذا أردنا أن نضع إضافات على السلطة، فلا يصلح في ذلك الملح، فلا يوجد ملحٌ في الغابة، ولأنه مُصَنَّع بيد البشر، والأفضل هو الفلفل أو الليمون والبهارات التي خلقها الله كما هي دون تدخل من البشر حتى نُكسِبها طعماً أطيب ودون أي ضرر. ويمكن إضافة الزيت إذا كان زيتاً نباتياً خاماً غير مُصَنَّع كذلك الذي تمت تصفيته من الزيتون مثلاً، والأفضل أن نضيف الزيتون كما خلقه الله. ولا بأس أن تكون وجبة الغذاء الأساسية كلها طبقاً من الفاكهة أسوة بالسلطة.
وتنطبق نفس القاعدة على اللحوم، حيث إن اللحم الأسهل في الحصول عليه هو الأفضل للصحة. وبما أن اصطياد سمكة أسهل من اصطياد غزالٍ يجري سريعاً، فإننا يجب أن نتناول الأسماك أكثر من اللحوم الحمراء والبيضاء.
وكذلك فإن أنسب طرق الطهي هي الأسهل في الغابة، فنجد أن الشواء هو الأفضل كونه يذيب الدهون ويُبعد مخاطرها المعروفة، أما التحمير والسلق فيحتاج إلى زيوتٍ وأواني للطهي لا تتوفر في الغابة!
ولا نجد وسائل مواصلات في الغابة تعوضنا عن استخدام ساقينا، ولهذا فإن رياضة المشي يومياً لا غنى عنها في “ريچيم الغابة” مع النظام الغذائي، ومن الجميل أيضاً ممارسة السباحة، فهما رياضتان تُحرِّكان أكبر عدد من العضلات، وبهما فائدة لعضلة القلب على التوازي مع العضلات الهيكلية المحركة للأطراف.
وفى الختام لا أحتاج لأن أوصيكم بشرب الماء بكثرة فمنه جَعَلَ رَبُ العِزَّةِ كُلَّ شيء حَيّ.