روضة .. من رياض الجنة !!
بعد أن ترفع يديك إلي السماء، وتتوجه بقلب خالص إلي الله، وتدعو، فإنه عز وجل، يستجيب لك إن كنت مخلصا في دعائك.
هذا إحساسي ويقيني دائما.
تمنيت طوال حياتي زيارة البيت الحرام، و المسجد النبوي الشريف ، وأراد الله أن يسعد قلبي . إستجاب لدعائي. يالله. ما أعظمك. ما أكرمك.
كنت جالسة في غرفتي شاردة في العمل، علي التليفون المحمول كالعادة، منهمكة، دخلت علي والدتي تطلب مني أن أرتاح قليلا. نظرت اليها قائلة لها بالحرف “عارفة يا أمي.. عايزة عمرة وزيارة للمدينه المنورة. كان ردها علي بدعوة إلي الله وهي رافعة يديها للسماء قائلة “ربنا يكتبهالك يا حبيبتي وتعملي عمرة قريب جدا” طلبت مني أن أدعو فلا يوجد شئ يعوق الله عن تحقيق الأماني.
كنت أتضرع إلي الله طالبة العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف لأني في أشد الحاجة إلي هذا الفاصل الروحاني. مرت الأيام وإنشغلت كالعادة في أعمال المجلة ،ومر حوالي شهر وإذ ب أفاجئ بمكالمة عمل من شركة عقارية كبري تشارك في معرض بالسعودية، تطلب مني أن أكون موجودة برعايتها لتغطية الحدث من خلال المجلة. إستجابة الله لدعوات والدتي ودعواتى، كانت فوق الوصف.
وافقت وأنا قلبي يخفق من السعادة. مشتاقة جدا لزيارة بيت الله الحرام وبيت الحبيب المصطفى سيد العالمين محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
قدمت كل أوراقى للشركة والحمد لله حصلت علي تأشيرة السعودية وبدأنا الرحلة التي بدأت بالعمل في المعرض الأول بالرياض ثم الذهاب إلي المعرض الثاني في جده،ثم جاءت مرحلة السكينه والتفرغ والعبادات.
أجمل رحلات العمر و الإستعداد للذهاب إلي مكة المكرمة لتأدية العمرة. كنت كالأطفال. تملأ السعادة قلبي.
حصلت علي كل التفاصيل للإستعداد. طوال الطريق إلي مكه وأنا ادعو وأشكر وأحمد الله علي نعمته علي ، فهو يعلم تماما قدر إشتياقي وحنيني لزياره بيته الحرام. كلما إقتربنا نبضات قلبي تعلو وتدق أسرع ، إلي أن وصلنا للحرم المكي، خطوت خطواتي الأولي علي بلاط الحرم المكي حافية القدمين، يا الله ، ماء زمزم في كل مكان. جريت كي أشرب وأشكر الله علي منحي هذا الشرف الكبير.
شعرت بحب الله لي وكيف يسرلي الأمور كي أصل لبيته. توجد سلالم كهربائية لآبد من النزول منها تدريجياً وبدأت تظهر الأطراف السفلية للكعبة وبعدها نصف الكعبة إلي أن إنتهي السلم بالنزول لأجد نفسي اري الكعبة كاملة أمام عيني.
لم أتمالك دموعي فعجزت عن الكلام. مشهد مهيب تقشعر له الأبدان. مشاعر وأحاسيس غير عادية، أقسم لكم أنني أعيشها الآن وأنا استعيد المشهد معكم. وجدت نفسي أدعو أول دعوه لأمي ثم أبي رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته.
وبسب ظروف الكورونا كانت الأعداد محدودة ،وهذا أتاح لنا الرؤية أكثر وأن أقترب من الكعبة والحجر الأسود. كنت هائمة في رحاب الله وملكوته وسط جموع المعتمرين المرددين أذكار الله والدعوات أمام هذا المشهد المهيب. أثناء الطواف وأنا أدعو الله بكل ما أتمناه في الآخرة قبل الدنيا.
بدأت الطواف ودعوت لكل أهلي وأقاربي وبعدها أصحابي ولكل من أمنني الدعاء ودعوت لكثيرين لم يطلبوا مني. ظهر أمام عيني أشخاص كثيرون أعرفهم ولكنهم لم يطلبوا مني شيئا. سبحان الله فهي رساله أكيد كي أدعو لهم.
الطواف سبع مرات يبدأ من الحجر الأسود وينتهي عند الحجر الأسود. بعده وقفت أتامل عظمة الكعبة وروعة الحرم. إتصلت فيديو بأمي وإبنتي وأختي ليشاهدوا الكعبة ويدعون بكل ما يتمنونه، ووجدت نفسي أبحث عن أصحابي ممن هم في أزمات وأتصل بهم فيديو من أمام الكعبة، منهم من كان مستيقظا وأجاب علي ورأي الكعبة ودعي كل ما يتمناه، ومنهم من لم يحالفة الحظ ودعوت له بكل ما يتمني.
خرجت من الطواف إلي السعي .منظر لا ينسى، وأنا أتذكر
مدرسة الدين وهي تروي لنا قصة كفاح السيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم و أم إسماعيل، وهي تسعي بين جبلي الصفا والمروة. كم كانت الرحلة شاقة عليها لم نشعر إلا إذا عشنا التجربة بنفسنا. كنت أسعى بين الصفا والمروة متأملة وباكية وخاشعة. إنتهيت من السعي وخرجت لأقص خصله من شعري والتي تعتبر المرحلة الأخيرة في العمرة.
كنت أبكي كثيراً وأتمني لو أمضي وقتا أطول. مع الأسف إنتهت العمرة وأنا شاكرة وحامدة وباكية.
عدت إلي الفندق وكلي رضا وحب وخشوع، سعيدة بالحالة التي عشتها. شعرت بحب الله لي فهو الذي وهبني منحة العمرة.
يارب.. أكتبها لكل مسلم ومتع عينية بهذا المشهد العظيم.طبعا.
الواقع أعظم مما رويت ولكني حاولت بقدر المستطاع أنقل صوره من أرض الواقع، بكل ما عشته وشعرت به من أحاسيس روحانية غسلتني تماما.
جاءت الرحلة الثانية، رحلة المدينه المنورة. لا أخفي عليكم سرا، المدينه بها سر عجيب لا يمكن أن تكتشفة ولكنك تعيشة بمجرد دخولك إلي الحرم النبوي الشريف، وعندما تخرج من الحرم تجد حمام المدينه المنورة يطير ويشعر بمن حوله .تقف الناس لتناولة الحبوب وتطعمة.
كان لي نصيب في إطعامة والتقاط الصور معه .أجواء روحانية رائعة، هدوء وسكينه تملأ المكان. صليت في المسجد النبوي الشريف وجاءت العقبة في الدخول إلي الروضة الشريفة ، وبسبب كورونا لابد من الحجز، فجربنا أنا وصديقاتي أن نحجز وفشلنا لعدم وجود أماكن.
وكان المأزق عندما ذهبنا إلي المكتب المختص بالحجوزات لعرض الأزمة خاصة وأن غدا موعد عودتنا إلي القاهرة، ولا توجد فرصة غير اليوم .باءت كل المحاولات بالفشل. وقت أذان العشاء ذهبنا للصلاه في المسجد النبوي .صديقاتي محبطات و فاقدات الأمل في دخول الروضة ، وأنا اقسم بالله العظيم إنني لم اشك لحظة في أنني سوف أدخل الروضة الشريفة وأصلي فيها، إزاي .. وكيف يحدث ؟ لا أعلم،!!.
صلينا العشاء وجلست أدعو كثيرا وأنا باكية ونظرت إلي السماء داعية الله أن لا يحرمني من زيارة الروضة الشريفة.خرجنا من المسجد جلسنا في الحرم خائفين لو خرجنا من الحرم لا يمكن الدخول إلا لصلاه الفجر ، وهكذا تضيع فرصة زيارة الروضة، قلت لصديقاتي إنتظروني قليلا سوف أقوم بعمل محاولة، كل هذا ونحن داخل الحرم.
توجهت إلي ظابط سعودي متواجد في طابور السيدات الذين يحملن تصريحا بالدخول، ووجدت نفسي أتحدث إليه بكل ترجى وشرحت له المشكلة وقلت له لا أتمني شئ في الوجود أنا وصظيقاتي سوي زيارة الروضة الشريفة.
وبدون قصد وجدت نفسي أبكيغ وأنا اشرح له أن من ساعد شخصا في زيارة بيت الرسول ذلل الله له كل عقباته، وأطلعته علي تذاكر السفر وانها الفرصة الأخيرة. وفي دقائق معدوده كان قد أجري عده إتصالات، قال لي إذهبي إلي بوابة الروضة وإسألي علي زميلي فلان وبلغية انك من طرفي وإن شاء الله سوف يساعدك.
شكرته جدا ووعدته أنني سوف أدعو له في كل الأحوال، وأسرعت أنا وصديقاتي وكلنا أمل حتي وصلنا إلي زميله. وبمعجزة شاء الله أن تكون هناك زيارة من أميرة خليجيه، وخرجت مسؤولة الروضة لإستقبالها كي تقودها إلي الداخل متخطية كل الطوابير والحجوزات ، قام الظابط وهنا بناء علي وعد زميله بإدخالنا مع الأميرة الخليجه لنسير معها ووجدنا أنفسنا في دقائق داخل المسجد تحديدا منطقة استراحة ما قبل الدخول إلي الروضة الشريفة.
حبيبي يا الله.
والله لو حاولنا رسم خطة لن نتوفق مثل هذا، لم أشك لحظة،.كنت طايرة من السعادة، حتي جاء علينا الدور في الدخول، من بداية المدخل وأنا أرتجف ودموعي تنهال من روعة جمال الروضة. شعور عظيم وكأنك فعلا في جزء من الجنه، كما قال لنا رسولنا الكريم (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم.
رائحة عطرة نفاذه تملأ المكان، عواميد الروضة والمنبر من الذهب، كنت في عالم آخر. تمنيت أن يعيش هذا الإحساس كل الناس. قضيت أجمل ١٥ دقيقة من عمري، سجدت وصليت لله شاكرة فضله بكل ما أنعم علي به فقد أكرمني كرما كبيرا جدا.. أكثر مما تمنيت. أحمدك وأشكرك يارب علي نعمك الكثيرة.
أتمني من الله أن لا يحرم مسلما من زيارة بيته الحرام و المسجد النبوي الشريف، وأن يمتع قلب وعين كل مسلم بهذا المشهد العظيم.
آمين ..يارب العالمين.
والله الموفق