زيارة المسجد النبوي وقبر النبي : آداب وأدعية وفضائل
تُعد زيارة المسجد النبوي الشريف وقبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات وأجل الطاعات التي يحرص عليها المسلمون من شتى بقاع الأرض.
هذه الزيارة المباركة ليست مجرد رحلة، بل هي رحلة روحانية تهدف إلى تعزيز الصلة بالنبي الكريم والتأمل في سيرته العطرة.
ولكن، ما هي الآداب والأدعية المستحبة عند هذه الزيارة؟ وما فضل المسجد النبوي؟ دعونا نستكشف ذلك.
أدعية ما قبل دخول المسجد النبوي
يبدأ الإستعداد لزيارة المسجد النبوي قبل الوصول إليه. فمن المستحب للمسافر، وهو يمشي في طريقه إلى المسجد، أن يدعو الله تعالى بنور يملأ جوارحه ويسديه في كل إتجاه.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء جامع في هذا الصدد، فعن إبن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:
«اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي لِسَانِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَإجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا وَإجْعَلْ أَمَامِي نُورًا وَمِنْ خَلْفِي نُورًا، اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا» (رواه الإمام مسلم).
هذا الدعاء يعبر عن الرغبة الصادقة في أن يكون النور الإلهي محيطًا بالعبد من كل جانب، مما يضيء بصيرته وقلبه في رحلته الروحانية.
دعاء دخول المسجد النبوي وتحية المسجد
عند الوصول إلى المسجد النبوي الشريف، يستحب للمسلم أن يدخله بقدمه اليمنى، مسبوقًا بالبسملة والصلاة والسلام على رسول الله، ويدعو بالدعاء المأثور:
«أَعوذُ باللهِ العَظيـم وَبِوَجْهِـهِ الكَرِيـم وَسُلْطـانِه القَديـم مِنَ الشّيْـطانِ الرَّجـيم، بِسْمِ اللَّهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ الله، اللّهُـمَّ إفْتَـحْ لي أَبْوابَ رَحْمَتـِك».
وإن همّ بالخروج، فليقل: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ».
بعد الدخول، تُصلى ركعتان تحية المسجد، وهي سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ». هذه الصلاة تعظيم لبيت الله وتعبير عن الشكر لدخول هذا المكان الطاهر.
آداب وأدعية زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
بعد صلاة تحية المسجد، يتوجه الزائر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. من المستحب أن يستقبل القبر ويستدبر القبلة، واقفًا على بعد أربع أذرع تقريبًا من جدار القبر، ويسلّم بصوت مقتصد، لا يرفعه كثيرًا.
يقول الزائر: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللّه! السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيرَةَ اللّه مِنْ خَلْقِهِ! السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ! السَّلامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ! السَّلامُ عَلَيْكَ وَعلىٰ آلِكَ، وأصْحابِكَ، وأهْلِ بَيْتِكَ، وَعَلىٰ النَّبيِّينَ وَسائِرِ الصَّالِحِينَ؛ أشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ، وأدَّيْتَ الأمانَةَ، وَنَصَحْتَ الأُمَّةَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أفْضَلَ مَا جَزَىٰ رَسُولًا عَنْ أُمَّتِهِ».
إذا كان هناك من أوصاه بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فليقل: «السَّلام عليك يا رسولَ اللّه من فلان بن فلان!».
بعد ذلك، يتأخر الزائر قليلاً إلى جهة يمينه ليسلّم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم يتأخر ذراعًا آخر للسلام على عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم يعود إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فيتوسل به في حق نفسه، ويتشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ويدعو لنفسه ولوالديه، وأصحابه وأحبابه، ومَن أحسن إليه وسائر المسلمين، مجتهدًا في إكثار الدعاء وإغتنام هذا الموقف الشريف.
فضل الروضة الشريفة والصلاة فيها
بعد زيارة القبر الشريف، يستحب للمسلم أن يتوجه إلى الروضة الشريفة، وهي المنطقة الواقعة بين القبر والمنبر، ويكثر فيها من الدعاء والذكر.
فقد روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ».
إختلف العلماء في معنى هذا الحديث على ثلاثة أقوال: الأول أن الروضة الشريفة هي حقيقة جزء من الجنة وستنتقل إليها يوم القيامة.
والثاني أن العبادة في الروضة الشريفة هي سبيل إلى دخول الجنة.
والثالث أن السعادة التي يحصل عليها المسلم بعبادته في الروضة الشريفة تشبه السعادة التي يحصل عليها في الجنة.
كل هذه الأقوال تؤكد على عظمة هذا المكان وفضله العظيم.
فضل المسجد النبوي والصلاة فيه
تتعدد الأحاديث النبوية التي تؤكد على فضل زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتمُ مساجدِ الأنبياء، أحقُّ المساجد أنْ يُزار ويُشدَّ إليه الرَّواحِل المسجدُ الحرامُ ومسجدي».
كما ورد في الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن صلَّى في مسجدٍ أربعين صلاةً كتَب الله له براءةً من النار، وبراءةً من العَذاب، وبراءةً من النِّفاق».
وفي المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن دخَل مسجدَنا هذا ليتعلَّم خيرًا أو ليُعلِّمه، كان كالمجاهد في سبيل الله».
ولعل أبرز فضائل الصلاة في المسجد النبوي ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صَلاةٍ فيما سِواه إلا المسجد الحرام». هذا الفضل العظيم يشجع المسلمين على الحرص على الصلاة في هذا المسجد المبارك كلما أتيحت لهم الفرصة.
الخلاصة
إن زيارة المسجد النبوي وقبر النبي صلى الله عليه وسلم فرصة عظيمة لتقوية الإيمان وتعزيز الصلة بالنبي الكريم.
إن الالتزام بالآداب والأدعية المأثورة يزيد من بركة هذه الزيارة وأجرها، ويجعلها تجربة روحانية لا تُنسى. اللهم أرزقنا زيارته ياأرحم الراحمين .