حديث الذكريات.. في بيت مواطن!
ذكريات صحفية | كتب : أحمد عمر
مؤسس ورئيس تحرير مجله ماجد الأسبق
حدث هذا عام ١٩٧٣، حين كنت أعمل في جريدة الاتحاد بالإمارات. تلقيت مكالمة هاتفية من الديوان الأميري بأبو ظبي تخطرني بالتواجد في مطار أبو ظبي الحربي في السابعة صباحاً، لمرافقة رئيس الدولة في زيارة لمنطقة صحراوية بأبو ظبي. في الموعد المحدد كنت بالمطار.
بعد قليل وصل الشيخ زايد ومعه أقرب أصدقائه إلى قلبه عبد الجليل الفهيم، إضافة إلى عدد محدود من المرافقين. صعدنا إلى طائرة هليكوبتر، ومعي مصور خاص، ونحن لا نعرف أيه معلومات عن الرحلة التي استغرقت أقل من نصف ساعة.
هبطت الطائرة ونزل الجميع وساروا متجهين إلى عدد من البيوت الشعبية. دخلنا أحد هذه البيوت الذي يضم عدداً محدوداً من الغرف أكبرها غرفة النوم التي جلسنا فيها، بجوار السرير وبجانب منضدة عليها “ببرونه” التي تستخدم في تغذية الأطفال. كان ترحيب صاحب البيت بنا كبيراً، وكان الشيخ زايد في قمة السعادة، وهو يتحدث مع أحد مواطنيه يسكن الصحراء.
طوال هذا الوقت كنت أفكر في الجولة التي سيقوم بها الشيخ زايد في المنطقة، وكيف انفرد بتغطيتها في صحيفة الاتحاد، التي حجزت لها عناوين الصفحة الأولى، إضافة إلى صفحات داخلية.
مر الوقت. شربنا الشاي والقهوه أكثر من مرة. انتهزت فرصة انشغال الشيخ زايد في الحديث مع المواطن، لأستفسر من عبد الجليل الفهيم عن برنامج الرحلة. قال لي: أي برنامج؟ لا توجد برامج. الشيخ زايد كان يريد زيارة هذا المكان، الذي زاره منذ سنوات طويلة. وأضاف الفهيم: بعد قليل نستقل الطائرة ونعود إلى أبو ظبي.
كانت صدمة بالنسبة لي. كنت أمنّي النفس بتغطية زيارة شاملة على صفحات الجريدة.
تمالكت نفسي سريعاً. فكرت في الحل. وجهت سؤالاً للشيخ زايد. هل تذكر سموك هذا المكان حين زرته منذ عشرات السنين. صمت الشيخ زايد قليلاً، ولمحت بريقاً في عينيه لأنه يتذكّر الماضي.
سؤال واحد أجاب عليه الشيخ زايد في أكثر من ساعة. كان يتحدث عن ذكريات جميلة لا ينساها. تحدث باستفاضة عن زيارته لهذا المكان التي كانت تتم فوق ظهور الجمال وتحتاج الرحلة أياماً، وكيف كان يعيش سكانها. شرح لي بالتفصيل كيف كان يساعدهم في حفر الآبار. بل إنه أخذ ورقة ورسم لي شكل البئر.
تحدث طويلاً بلا ملل، واستشهد أكثر من مرة بعبد الجليل الفهيم، الذي رافق الشيخ زايد في مدينة العين، وبعد أن أصبح حاكماً لأبو ظبي ورئيساً لدولة الإمارات العربية.
في العين كان عبد الجليل الفهيم يمتلك متجراً صغيراً للبقالة. وتطورت أعماله بعد ذلك، وأصبح من أكبر أثرياء العالم، وأنشأ مؤسسة خيرية ضخمة تنفق مئات الملايين. وواصل أبناؤه مسيرته الخيرية بعد وفاته.
نعود إلى حديث الشيخ زايد. سألته: هل يعلم أبناء الجيل الجديد ما تحدثت عنه سموك منذ قليل؟ أجاب: لا، قلت: هل نكتب لهم هذا الكلام؟ أجاب بحزم: نعم، وهذا ما حدث فعلاً. نشرت على صفحات جريدة الاتحاد كلمات الشيخ زايد.. الرجل الذي أحب وطنه وأخلص له. مثواه الجنة بإذن الله
==========
معجزة مصطفى شردي
ما أنجزه الصحفي الكبير مصطفى شردي في أبو ظبي يشبه المعجزه! كان في زيارة لأبو ظبي بدعوة من الكاتب رجاء مكاوي المستشار الصحفي للشيخ زايد. يومها كانت البلاد تستعد للاحتفال بالعيد الوطني. لم تكن هناك صحف يومية.
تساءل مصطفى شردي: لماذا لا تكون هناك صحيفة يومية كما هو الحال في كل الدول العربية؟ تلقف الفكرة رجاء مكاوي وعرضها على الشيخ زايد الذي أمر بتنفيذها على الفور.
نقل رجاء مكاوي هذا الخبر السعيد إلى مصطفى شردي، وطالبه بإصدار الجريدة اليومية فوراً.
مصطفى شردي كان جسوراً! هكذا كان منذ بداياته الصحفية حين صور الاعتداء الثلاثي على بورسعيد، ونجح في تهريب الصور إلى القاهره لاستخدامها في إدانة العدوان دولياً.
حين عرضت عليه فكرة إصدار الجريدة اليومية قال إنه يقبل التحدي على أن تصدر الجريدة لمدة أسبوع واحد، هو أسبوع الاحتفال بالعيد الوطني.
استعان بعدد محدود من الزملاء لإصدار الجريدة كانوا متواجدين بأبو ظبي. منهم محمد بدر المصور البارع الذي كان مصوراً خاصاً للشيخ زايد، والصحفي حمدي تمام، والصحفية عبلة النويس وعدد محدود من العاملين.
أكبر المشاكل التي واجهته كانت الطباعة. كانت بأبو ظبي مطبعة عادية تمكن بالاتفاق مع صاحبها أن تطبع الجريدة في ثمان صفحات. وبدأ العمل أو المعجزة بمعنى أدق.
طوال أسبوع كانت الجريدة تصدر في شكل جيد، وتنشر أهم أحداث اليوم. أذكر أنه في هذه الأيام كان في زيارة أبو ظبي الرئيس السوري في ذلك الوقت حافظ الأسد.
أعجب بجريدة الاتحاد التي يصدرها عدد محدود من الصحفيين، ووصف جهدهم بأنه معجزة. قال إن صحيفة البعث السورية يعمل بها أكثر من ٢٠٠ صحفي.
إنجاز مصطفى شردي بحق معجزة! بعد انتهاء الأسبوع توقفت الجريدة بضعة أسابيع لتصدر مرة أخرى بعد أن انضم إليها نخبة من الصحفيين، وأصبحت أقوى صحف الخليج.
—————–
١٢ تفاحة مرة واحدة!
حين سافرت إلى أبو ظبي للعمل في جريدة الاتحاد، كنت أمنّي النفس بعمل ناجح وحياة تتوافر فيها كل الكماليات، ومن بينها السجائر المستوردة والتفاح الأمريكي، الذي كنت أراه في سوق التوفيقية بالقاهرة، ولم يكن راتبي يتحمل شراءه.
بمجرد وصولي إلى أبو ظبي اشتريت علبة سجائر أجنبية، وبذلك حققت إحدى أمنياتي. في اليوم التالي وفي أول زيارة للسوق اشتريت التفاح. كان يباع بالدستة. أي ١٢ تفاحة. اشتريت دستة.
وبمجرد عودتي إلى البيت أكلت واحدة. في اليوم التالي أكلت واحدة ثانية.
المفاجأة أنه لم يعجبني، لدرجة أن باقي التفاحات التي اشتريتها ظلت حتى فسدت، ومن يومها لم أفكر في أكل التفاح. أما السجائر الأجنبية التي أسرفت في تدخينها فقد جاء وقت توقفت فيه عن تدخينها مضطراً بأمر الأطباء. كان هذا منذ أكثر من ١٥ عاماً!
للذكريات بقية موعدنا الشهر القادم بإذن الله