هل نظام الكيتو يسبب السكري؟ فهم العلاقة المعقدة بين الحمية ومرض السكر
يُعدّ نظام الكيتو الغذائي (Ketogenic Diet) من الحميات الشائعة جدًا، خاصةً في السنوات الأخيرة، وذلك لفعاليته في إنقاص الوزن بسرعة وتحسين بعض المؤشرات الصحية. يعتمد هذا النظام بشكل أساسي على تقليل الكربوهيدرات بشكل كبير جدًا (عادةً أقل من 50 جرامًا يوميًا)، وزيادة تناول الدهون الصحية، مع كمية معتدلة من البروتين. الهدف من هذا التغيير هو دفع الجسم إلى حالة “الكيتوزية” (Ketosis)، حيث يبدأ في حرق الدهون لإنتاج الطاقة بدلًا من الجلوكوز.
لكن، مع كل هذه الفوائد المزعومة، يطرح البعض تساؤلات مهمة حول ما إذا كان نظام الكيتو، على المدى الطويل، قد يسبب مرض السكري، خاصةً النوع الثاني. العلاقة بين نظام الكيتو والسكري معقدة، وهناك أبحاث تدعم كلا الجانبين، مما يتطلب فهمًا أعمق للآليات المعنية.
من ناحية، يُظهر نظام الكيتو نتائج واعدة في إدارة مرض السكري من النوع الثاني ومقدمات السكري. فالتقليل الحاد في تناول الكربوهيدرات يؤدي مباشرة إلى خفض مستويات السكر في الدم والإنسولين. وقد أظهرت دراسات قصيرة المدى أن نظام الكيتو يمكن أن يُحسن حساسية الإنسولين ويُقلل من الحاجة إلى أدوية السكري لبعض المرضى. كما أن فقدان الوزن الكبير الذي يُحققه الكيتو دايت يُساهم بشكل فعال في تحسين مقاومة الإنسولين، وهي عامل رئيسي في تطور السكري من النوع الثاني.
ومع ذلك، تثير بعض الدراسات قلقًا بشأن احتمالية تسبب نظام الكيتو في مقاومة الإنسولين لدى بعض الأفراد على المدى الطويل، أو حتى زيادة خطر الإصابة بالسكري في ظروف معينة. تشير بعض الأبحاث، خاصة تلك التي أجريت على الحيوانات، إلى أن اتباع نظام غذائي كيتوني غني جدًا بالدهون قد يؤدي إلى مقاومة الإنسولين في الكبد، مما يجعل الكبد أقل قدرة على التعامل مع مستويات الإنسولين الطبيعية للتحكم في الجلوكوز. هذا يُعرف أحيانًا بـ “مقاومة الإنسولين الفسيولوجية” أو “الكيتوزية الحميدة”. الفرضية هنا هي أن الجسم يصبح معتادًا على حرق الدهون كمصدر أساسي للطاقة، وعند إعادة إدخال الكربوهيدرات فجأة، قد لا يتمكن من معالجتها بكفاءة.
النقطة الرئيسية التي يجب الانتباه إليها هي التطبيق الصحيح لنظام الكيتو. فليس كل نظام كيتو متساوياً. فالنظام الذي يعتمد بشكل كبير على الدهون المشبعة والبروتينات الحيوانية المعالجة قد يزيد من خطر مشاكل صحية أخرى، بينما النظام الذي يُركز على الدهون الصحية (مثل الأفوكادو، المكسرات، زيت الزيتون)، والبروتينات النظيفة، والخضروات منخفضة الكربوهيدرات، قد يكون أكثر أمانًا وفعالية.
من المهم جدًا استشارة الطبيب أو أخصائي التغذية قبل البدء بنظام الكيتو، خاصة إذا كان لديك تاريخ عائلي للسكري، أو كنت تعاني من أي حالة صحية سابقة. فليست جميع الأجسام تتفاعل بنفس الطريقة مع هذه الحمية الصارمة، وهناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث طويلة المدى على البشر لتحديد جميع الآثار الجانبية والمخاطر المحتملة بشكل قاطع.
باختصار، بينما يُمكن أن يُقدم نظام الكيتو فوائد لبعض مرضى السكري من النوع الثاني في إدارة مستويات السكر في الدم وفقدان الوزن، فإن إمكانية تسببه في مقاومة الإنسولين أو زيادة خطر السكري على المدى الطويل لا تزال محل بحث ونقاش. الوعي، الاعتدال، والإشراف الطبي هي عوامل حاسمة لضمان سلامة وصحة الأفراد الذين يُفكرون في اتباع هذه الحمية.














