سُمعة مصر .. من يوسف شاهين إلى عمر الزهيري!
شيء في قلمي | كتب : طارق الشناوي
قبل نحو 30 عاماً وتحديداً 1991 في شهر مايو، وقبل أن أبدأ بعدها بعام واحد فقط في شد الرحال سنوياً إلى مهرجان (كان)، تصفّحت الجريدة الأكثر انتشاراً، وقرأت باهتمام شديد صفحة الفن، وجدت المانشيت يطالب بسحب الجنسية من المخرج يوسف شاهين بعد اتهامه بالإساءة لسمعة مصر.
في أعقاب عرض فيلمه (القاهرة منوّرة بأهلها) في قسم (أسبوعي المخرجين)، عدد كبير من السينمائيين الذين لم يشاهدوا الفيلم وجدتهم يسارعون بالتوقيع على بيان مماثل من أجل أن تلقي الأجهزة القبض على المخرج الكبير بمجرد أن تطأ قدمه أرض المحروسة.
لم يفاجئني الهجوم فلم تكن المرة الأولى، لكن عقاب سحب الجنسية الذي لا يمكن استخدامه إلا مع الخونة للوطن، هو ما دفعني للإحساس بأن الأمر يكمن بداخله أشياء أخرى، كنت وقتها مشرفاً على نادي السينما بنقابة الصحفيين، اتفقت مع يوسف شاهين على عرض الفيلم، وإقامة ندوة مفتوحة يشارك فيها كل الأطياف من يؤيد أو يعارض، الفيلم (سيمي دراما)، أي أنه يقف ما بين الدراما والتسجيل وزمنه نحو 45 دقيقة، كان الإقبال على مشاهدة الفيلم أكثر من قدرة صالة النقابة على الاستيعاب، وأمام رغبة الجميع عرضت الفيلم مرتين قبل أن نفتح باب النقاش.
وانحازت الأغلبية للدفاع عن الفن الصادق ضد الزيف، وأيّدنا يوسف شاهين في شريطه السينمائي، وأسقطنا شعار (الدفاع عن سمعة مصر)، إلا أنه على أرض الواقع مع الأسف لم يسقط، لا يزال هناك من يستخدمه عامداً متعمداً، حتى جاءت الطامة الكبرى أثناء إقامة مهرجان (الجونة) والفيلم يمثل مصر، بعد أن حصل على جائزة (أسبوع النقاد) في مهرجان (كان) يوليو الماضي، وتوقعت وأنا أكتب عن الفيلم أن يلوّح البعض بنفس السلاح.
وقلت كثيراً ما نهاجم السينما المصرية وننتظر منها أن تقدم ما يليق بنا، تستوقفنا الحكاية ونردد السؤال المخزي الذي يتدثر عنوة بـ (سمعة مصر).
لو أحصينا تواجدنا العالمي بخاصة في (كان) خلال السنوات الأخيرة سنجد أن محمد حفظي كمنتج وراء الدفع بأفلام مثل (اشتباك) لمحمد دياب الذي افتتح به قسم (نظرة ما) عام 2016، بعدها بعامين تعود مصر للمسابقة الرسمية بفيلم (يوم الدين) لأبو بكر شوقي.
في العام الماضي شاركت مصر رسمياً في المهرجان بفيلم (سعاد) لأيتن أمين الدورة ألغيت بسبب كورونا، إلا أننا حصلنا أيضاً لأول مرة في مجال الفيلم القصير على السعفة الذهبية للمخرج سامح علاء، والفيلم يحمل كعادة المخرج اسمين (16) وهو بمثابة رقم الفيلم في مشوار المخرج، بينما اسمه المتداول (أخشى أن أنسي وجهك) هو بكل المقاييس فوز تاريخي، لكننا مع الأسف لا نعرف الفرحة، بعد ساعة من حصول الفيلم على (السعفة).
بدأنا نحاكمه أخلاقياً، من لم ير الفيلم وأغلب المهاجمين لم يشاهدوه فتحوا النيران بضراوة، فهي أحد معالم سعار التدين الزائف، وهكذا تكرر الهجوم بعد أن أقتنص في مثل هذه الأيام جائزة نجمة (الجونة) لأفضل فيلم قصير.
تحرّكنا فقط نظرية المؤامرة، السينما في العالم تقدم لغة سينمائية مختلفة عما توقفنا عنده، لا يدرك أغلب السينمائيين أن ما يقدمونه تجاوزه الزمن، بعد أن تغيرت الأبجدية، ونسأل أين نحن من العالم ولماذا ترفض أفلامنا دوليا؟ بينما لا يقرأ أغلب المبدعين الشفرة الجديدة للغة السينمائية، وعندما نقدم مصر في مسابقة مثل (الأوسكار) يسيطر علينا في اختياراتنا (الحنجوري) الزاعق التقليدي.
السينما غيرت من أسلوب الحكي في الصوت والصورة، وأغلبنا لا يجيد قراءة سوى الأبجدية القديمة.
من حق طبعاً أي فنان كأي مواطن آخر أن ينتقد الفيلم، بل من حقه أيضاً أن يغادر صالة العرض قبل النهاية كنوع من التعبير عن الرفض، كل هذا متاح للجميع، لكن التلويح الذي استخدمه عدد من الفنانين واتهام الفيلم بالإساءة لسمعة مصر هو السلاح الغادر الذي ينبغي علينا جميعاً إسقاطه.
بخاصة عندما يوجه من فنانين ضد زملائهم، لقد توّج بالفيلم بجائزة (أفضل فيلم عربي) في (الجونة)، وبدلا من أن يقول بعضهم مبروك بدأت حملة التشكيك، ستخبو مع الزمن كل هذه الأصوات وسوف ينتصر في نهاية الأمر الإبداع!