الصيام: رحلة داخل الجسم تُعيد توازن سكر الدم
يُعد الصيام، سواء كان لأسباب دينية أو كنهج صحي مثل الصيام المتقطع، من الممارسات القديمة التي أثبتت الأبحاث الحديثة فوائدها المذهلة على الجسم. ومن أبرز هذه الفوائد هو تأثيره الإيجابي على سكر الدم وتوازنه. فماذا يحدث بالضبط لسكر الدم عند الصيام؟ تُقدم هذه المقالة نظرة تفصيلية على الآليات الفسيولوجية التي تُجعل من الصيام أداة قوية لتحسين صحتك.
1. استهلاك الجلوكوز كمصدر للطاقة
عندما تتوقف عن تناول الطعام، يبدأ الجسم في استهلاك مصدر الطاقة الرئيسي المتاح: الجلوكوز.
- الآلية: تُستهلك السكريات الموجودة في مجرى الدم من آخر وجبة تناولتها، مما يُؤدي إلى انخفاض تدريجي في مستويات سكر الدم.
2. تحول هرموني: دور الأنسولين والجلوكاجون
مع انخفاض مستوى السكر في الدم، يُحدث تحول هرموني حيوي يُعيد التوازن.
- الأنسولين: تُقلل غدة البنكرياس من إفراز هرمون الأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تخزين الجلوكوز في الخلايا.
- الجلوكاجون: في المقابل، تُزيد البنكرياس من إفراز هرمون الجلوكاجون، الذي يُرسل إشارة إلى الكبد لتحرير السكر المُخزن على شكل جلايكوجين في مجرى الدم، مما يُحافظ على مستوى سكر الدم مستقرًا ويُمد الجسم بالطاقة اللازمة.
3. الحرق من مخزون الدهون
بعد أن يُستهلك مخزون الجلايكوجين في الكبد (وهو ما يُحدث عادة بعد حوالي 12-24 ساعة من الصيام)، يبدأ الجسم في التحول إلى مصدر طاقة آخر.
- الآلية: يُبدأ الجسم في حرق الدهون المخزنة للحصول على الطاقة، وهي عملية تُعرف بـ الكيتوزية (Ketosis). هذه العملية لا تُساعد فقط على فقدان الوزن، بل تُقلل أيضًا من اعتماد الجسم على السكر كمصدر أساسي للطاقة.
4. الفائدة الكبرى: تحسين حساسية الأنسولين
تُعد هذه الفائدة من أهم وأبرز فوائد الصيام على المدى الطويل.
- الآلية: عندما يُعطي الجسم راحة من إنتاج الأنسولين بشكل مستمر، تُصبح الخلايا أكثر استجابة لهذا الهرمون. تُعرف هذه الظاهرة بـ تحسين حساسية الأنسولين.
- التأثير: تُصبح الأنسجة أكثر قدرة على استخدام الأنسولين بشكل فعال، مما يُساعد على تنظيم سكر الدم، ويُقلل من خطر الإصابة بـ مقاومة الأنسولين ومرض السكري من النوع الثاني.
خاتمة
يُعد الصيام أداة فسيولوجية قوية تُساعد الجسم على إعادة توازن سكر الدم، وتحسين حساسية الأنسولين، والتحول إلى حرق الدهون كمصدر للطاقة. هذه الفوائد لا تُحسن فقط من صحة الجسم، بل تُقدم أيضًا إستراتيجية فعالة للوقاية من العديد من الأمراض المزمنة المرتبطة بالغذاء.














