بين الجرأة وقلة الأدب .. ردود الأفعال الهجومية من الأبناء: هل هي جرأة أم قلة أدب؟ وكيف نتعامل معها؟
تجد العديد من الأمهات أنفسهن في موقف محير ومستفز : فكل كلمة توجهها إلى أبنائها تقابل بعشرة، وكأن الحوار تحول إلى ساحة معركة مستمرة. يتساءلن بحيرة: هل هذا السلوك نابع من جرأة محمودة أم قلة أدب غير مقبولة؟ وهل المشكلة تكمن فيهن أم في تغير طرأ على الأبناء؟ هذه المقالة تسعى إلى إستكشاف أسباب هذه الردود الهجومية وتقديم إرشادات عملية للتعامل معها.
لماذا يرد الأطفال بهذه الطريقة الهجومية؟
بين الجرأة وقلة الأدب هناك عدة عوامل تكمن وراء ميل الأطفال والمراهقين إلى الرد بطريقة تحمل تحديًا أو رفضًا، ومن أبرز هذه الأسباب
الرغبة في الإستقلال وبناء الهوية : خاصة في المراحل العمرية التي يسعى فيها الطفل أو المراهق لإثبات ذاته وتميزه كفرد مستقل.
الإحساس بالظلم أو بعدم الفهم : عندما يشعر الطفل بأن كلامه أو مشاعره غير مسموعة أو مقدرة، قد يلجأ إلى ردود فعل دفاعية وهجومية.
تقليد سلوك الكبار أو الشخصيات المؤثرة : قد يكتسب الأبناء أساليب الرد من البيئة المحيطة بهم، سواء كانت الأسرة أو وسائل الإعلام.
إختبار الحدود وردود أفعال الأهل : يسعى الأطفال بشكل طبيعي إلى فهم ما هو مسموح وما هو ممنوع، وردودهم قد تكون وسيلة لإستكشاف هذه الحدود.
تفريغ المشاعر الداخلية : قد يعبر الطفل عن غضب أو إحباط أو مشاعر أخرى غير مفهومة بالنسبة له من خلال ردود فعل حادة.
كيف تبدو هذه الردود على أرض الواقع؟
تختلف أشكال الردود الهجومية بين الأولاد والبنات، وإن كانت تشترك في جوهر التحدي أو الرفض
ردود الأولاد
تحدي أو سخرية : مثل قول “براحتك إعملي اللي إنتي عايزاه” بنبرة مستهترة.
تجاهل : كأن يقول “ماشي!” ثم يمضي دون إكتراث لما قيل.
ردود فعل جسدية : مثل خبط الباب بقوة أو التحدث بنبرة صوت عالية.
رفض مباشر : الإعلان الصريح عن عدم الرغبة في الإمتثال للأوامر.
ويرجع ذلك غالبًا إلى رغبتهم في السيطرة، أو نقص مهارات التواصل لديهم، أو كبت مشاعر معينة.
ردود البنات
دموع مصحوبة بهجوم : مثل البكاء والصراخ بعبارات مثل “سيبيني فحالي!”.
الشعور بالظلم : التعبير عن إحساس بأنهن دائمًا موضع لوم أو توبيخ، مثل قول “إنتي دايمًا بتزعقيلي!”.
صدام عاطفي : ردود فعل تتسم بالحساسية المفرطة والإنفعال.
قد يكون السبب وراء ذلك مشاعر غير مفهومة، أو مقارنة أنفسهن بالآخرين، أو الحاجة إلى إحتواء عاطفي غير متوفر.
هل يختلف الأمر بإختلاف المرحلة العمرية؟
بالتأكيد، تتطور طبيعة الردود الهجومية مع تقدم العمر
من 3 إلى 6 سنوات : تكون الردود بسيطة ومباشرة، مثل قول “لأ!” أو “ما بحبكش!”، وهي تعبر غالبًا عن محاولة للسيطرة.
من 7 إلى 10 سنوات : تبدأ تظهر نقاشات أكثر عنفًا وتحديات لفظية، حيث يسعى الطفل لإثبات نفسه بشكل أكبر.
سن المراهقة : تتسم الردود بالحدة، ونبرة الإستهزاء، أو حتى التجاهل التام، ويعكس ذلك الصراع الداخلي ومحاولة بناء هوية مستقلة.
كيف نتعامل بفعالية مع هذه الردود؟ (نصائح من خبراء تعديل السلوك)
يقدم خبراء تعديل السلوك مجموعة من النصائح الهامة للتعامل مع هذه الردود الهجومية بشكل بناء
عدم مقابلة الهجوم بهجوم : الرد بإنفعال وغضب يزيد من حدة الموقف ويحول الحوار إلى صراع.
حافظي على هدوئك وحاولي فهم الدافع وراء ردة الفعل.
توضيح القواعد والتوقعات منذ البداية : يجب أن يكون الأبناء على دراية واضحة بالقواعد السلوكية المقبولة وغير المقبولة في المنزل.
الفصل بين السلوك والطفل : ركزي على السلوك الخاطئ تحديدًا، وتجنبي توجيه عبارات تسيء لشخصية الطفل أو تقلل من شأنه.
فتح مساحة للحوار والإستماع : إمنحي أبنائك فرصة للتعبير عن مشاعرهم ووجهات نظرهم، وحاولي فهم ما وراء ردودهم.
إختيار المعارك بحكمة : ليس كل موقف يستدعي رد فعل حازم. تعلمي متى تتغاضين ومتى يكون التدخل ضروريًا.
تشجيع الإحترام في التواصل : علمي أبنائك أهمية التحدث بإحترام وتقدير للآخرين، وكوني أنتِ القدوة في ذلك.
إشراك الأبناء في إتخاذ القرارات : عندما يشعر الأبناء بأن لديهم صوتًا ومساهمة في القرارات التي تؤثر عليهم، يصبحون أكثر مسؤولية وتعاونًا.
الخلاصة
التعامل مع ردود الأفعال الهجومية من الأبناء يتطلب صبرًا وفهمًا وتطبيقًا واعيًا لأساليب تربوية سليمة. بدلًا من إعتبارها مجرد “قلة أدب”، يجب النظر إليها كإشارة تحتاج إلى تحليل ومعالجة، بهدف بناء علاقة صحية ومحترمة بين الآباء والأبناء.













