مهرجان الجونة السينمائي.. الإنسانية المستدامة
بنص لسان | كتب : صبري ناجح
ينتظر الكثيرون شعاع نور وسط الظلام، رؤية ثاقبة أمام السطحية، العمق بدلاً من الظاهر، شيء ما يدعم الإنسان والإنسانية وسط كل هذه الظواهر العالمية المخيفة، مناخية كانت أم سياسية أو اقتصادية حتى الاجتماعية.
حينما يبدو لك عزيزي القارئ، كل شيء تمام في بيتك أو منزلك أو في محيطك المجتمعي، فاعلم تماماً أن محيطك الإقليمي مليء باللاجئين الذين يعيشون في مخيمات، والأكل لديهم بالحصص، والأطفال بلا مأوى والأسر مفككة. وقتها يتجرّد الإنسان من إنسانيته، لأنه لم يعش كإنسان له عاداته وتقاليده وخصوصياته وطموحاته وآراؤه، لكنه عاش بالكاد كأنه إنسان.
الإنسانية تتبدد أمام السلاح والإرهاب والجوع والعطش والعوز والفقر، وكل هذا يتجلى بوضوح في مخيمات لاجئين في سوريا والعراق ولبنان والأردن، وفي دول أفريقية كثيرة أيضًا.
كل هذا أمام المجتمع الدولي ليل نهار على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، غير أن شيئاً جديداً لم يحدث، بل أمام هذا نسمع دعوات وأصوات تنادي بالمساعدة، وجلب التبرعات لشراء ملابس شتوية وبطاطين قبل دخول الشتاء.
غير أن مهرجان الجونة المعنيّ أولاً بالإنسانية، حينما يسلط الضوء على معاناة الأطفال والنساء والرجال والشباب، فإنه بهذا يحرّك المياه الراكدة في حقل الإنسانية الميتة لدى المسؤولين حول العالم، وصناع القرار في الحروب ومبيعات الأسلحة وإثارة المجتمعات، ليبدأ التفاعل من جديد لإيجاد حلول حقيقية لمعاناة الإنسان، أي إنسان، وقد تصل بالأمور أن تتغير على أرض الواقع بعد توضيح حقيقة أن معاناة الإنسان وضع استثنائي وليس مستداماً، كما هو الحال حالياً.
يتابع المجال الفني والوسط الصحفي، ولا أبالغ عندما أقول إن الإنسانية نفسها تتابع عن كثب أحداث مهرجان الجونة وما ينتج عنه، بخاصة مع مرور 5 أعوام على اعتباره واحداً من المهرجات الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
طوال السنوات الأربع الماضية، بذل المهرجان جهوداً لدعم مختلف القضايا الإنسانية، منها شؤون اللاجئين وتمكين المرأة والاستدامة. وتعاون تحت مظلة سينما من أجل الإنسانية مع العديد من المؤسسات المرموقة، منها اليونيسيف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة ساويرس ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والسفارة الأميركية.
يمنح المهرجان جائزة سينما من أجل الإنسانية (جائزة الجمهور) سنويًا، وهي جائزة تُمنح لفيلم ذي طابع إنساني. الأفلام الطويلة المشاركة في جميع الأقسام مؤهلة للفوز بنجمة الجونة وشهادة وجائزة مالية قدرها 20 ألف دولار أميركي.
مهرجان الجونة السينمائي هو واحد من المهرجانات الرائدة في منطقة الشرق الأوسط، يهدف إلى عرض مجموعة من الأفلام المتنوعة للجمهور الشغوف بالسينما والمتحمس لها، وخلق تواصل أفضل بين الثقافات من خلال فن السينما.
في آخر رسالة من القائمين على المهرجان أوضحوا أن مهرجان الجونة السينمائي يسعى لاستكمال مهمته في دعم السينما في الشرق الأوسط والترويج لها، من خلال الإعلان عن مواعيد دورته الخامسة التي ستقام في الفترة ما بين 14 – 22 أكتوبر 2021.
فمع الأحداث العالمية الحالية والصراعات المتأزمة عبر مناطق مختلفة، كان الفن السابع وسيلة فعّالة لتوحيد البشر جميعًا. انطلق مهرجان الجونة عام 2017 مع شعار سينما من أجل الإنسانية كقضية أساسية للمهرجان.
يعتمد المهرجان في خططه للدورة الخامسة على المنهج ذاته، الذي اعتمده في دوراته المنصرمة، ويستند في نجاحه إلى التشجيع الكبير الذي يلقاه بواسطة صناع الأفلام ومحترفي السينما العربية والدولية، إضافة إلى جمهوره والإعلاميين والنقاد. وفق بيان المهرجان الأخير.
هذا العام يقدم مهرجان الجونة السينمائي جائزة لأفلام البيئة. ستختار لجنة التحكيم من الأفلام المشاركة في جميع الأقسام التي تعرف أو ترفع الوعي بقضايا البيئة أو علومها أو الحياة البرية، إضافة إلى الأفلام المعنية بالاستدامة البيئية وأهميتها.
سيحصل الفيلم الفائز على نجمة الجونة وشهادة وجائزة نقدية قدرها 10 آلاف دولار أميركي، وستقدم تلك الجائزة بشكل سنوي ضمن جوائز مهرجان الجونة السينمائي.
مدير المهرجان انتشال التميمي أشار في هذا الصدد إلى “السعي نحو تطوير جهد المهرجان التنظيمي وتعزيز فريق العمل للارتقاء بنشاطه، والتوجه نحو تكثيف التجربة التنظيمية للمهرجان والعمل على توسيع فعالياته وتعميق نجاحاته، وتهيئة الأجواء لإطلاق المبادرات والأفكار الجديدة”.
وأضاف: “بينما نتطلع إلى دورتنا الخامسة، نعدكم بأننا نعمل بجد لاستكمال مجهوداتنا وإسهاماتها لتطوير السينما إقليميًا وعالميًا”.
شهدت الدورة الرابعة انطلاق جائزة خالد بشارة لصناع السينما المصرية المستقلة، التي تهدف إلى تخليد اسم الراحل خالد بشارة، الذي يستحق بالفعل.
مُنحت الجائزة إلى مشروع في مرحلة التطوير “هاملت من عزبة الصفيح” لأحمد فوزي صالح، وستُقدم سنويًا ضمن جوائز مهرجان الجونة السينمائي.
وحاز فيلم “إلى أين تذهبين يا عايدة” لياسميلا زبانيتش على النجمة الذهبية لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وفاز فيلم “أيام أكلة لحوم البشر” لتيبوهو إدكينز بذهبية الأفلام الوثائقية.
بينما فاز “أن أصبح أمي” لجاسمين ترينكا بذهبية الأفلام القصيرة، في حين فاز “الرجل الذي باع ظهره” لكوثر بن هنية بجائزة أفضل فيلم روائي عربي و”200 متر” لأمين نايفة بجائزة سينما من أجل الإنسانية، إلى جانب جوائز متنوّعة أخرى تم توزيعها على الأفلام الفائزة، وبلغت قيمتها الإجمالية 224 ألف دولار.