حوار مع القاضي محمد محمود عبد السلام، الأمين العام للجنة العليا لتحقيق أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية.
هل لك أن تحدثنا عن أهمية جائزة زايد للأخوة الإنسانية كمبادرة عالمية؟
جائزة زايد للأخوة الإنسانية التي استلهمت فكرتها من وثيقة الأخوة الإنسانية، هذه الوثيقة التاريخية التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية.
وتحمل قيم الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله في حب الخير لكل الناس، وتهدف هذه الجائزة إلى تشجيع وتقدير أولئك الذين يقدمون للإنسانية مصادر إلهام قوية، ويبذلون جهوداً فاعلة تؤثر في عالمنا.
وتجعله أكثر تسامحاً وتفاهماً وسلاماً، إضافة إلى أن هذه الجائزة سوف تعزز العمل الإنساني، كونها أصبحت منصة عالمية سنوية لكل المهتمين بالسلام والتعايش من مختلف أنحاء العالم، خاصة أنها تتزامن مع الاحتفاء باليوم الدولي للأخوة الإنسانية الذي يحتفل فيه العالم كله بذكرى توقيع الوثيقة الإنسانية.
هل لك أن تخبرنا عن آلية اختيار الفائزين؟
حرصاً على استقلالية الجائزة وضمان وصولها إلى من يستحقها بحيادية كاملة، فقد جرى تشكيل لجنة تحكيم مستقلة للجائزة تتألف من شخصيات عامة بارزة في مجالات السلام وخدمة الإنسانية، وتم وضع معايير دقيقة من قبل خبراء مختصين في هذا الشأن، وتقوم لجنة التحكيم بتقييم الطلبات المقدمة بناء على هذه المعايير.
ولاختيار الفائز تأخذ اللجنة في اعتبارها عدة معايير من بينها، الإسهامات البارزة للمرشح في تحقيق الأخوة العالمية والتضامن بين العائلة البشرية، وتحقيق العدالة والسلام العالمي، وتأثير جهوده على المجتمع، ومدى توظيف الممارسات الابتكارية للتغلب على التحديات التي تواجه الأخوة الإنسانية.
وأن تنال هذه الجهود اعتراف أعضاء المجتمع والقادة والحكومات والمنظمات حتى يمكننا القول إنها بالفعل جهود مؤثرة تستحق الفوز بالجائزة، حتى لو كان الجهد بسيطًا المهم أن يكون مؤثرًا وملهمًا للآخرين.
هل سيكون هناك أي تحديث فيما يخص الجائزة في النسخة المقبلة؟
مع إعلاننا الفائزين بجائزة زايد للأخوة الإنسانية لعام 2021 أعلنا أيضاً أن مرحلة تلقي الترشيحات للنسخة القادمة من الجائزة لعام 2022 ستنطلق في مايو 2021 وحتى أكتوبر 2021، ونتوقع أن تخرج النسخة القادمة من الجائزة بشكل أكثر تميزًا.
فالجائزة هذا العام كانت في شكلها الافتتاحي التأسيسي، إضافة إلى العديد من التحديات التي واجهناها ومن بينها ضيق الوقت وصعوبة إقامة حدث واقعي، وغيرها من التحديات التي واجهها العالم كلها بسبب وباء كورونا.
ورغم ذلك نجحنا في تقديم الجائزة للعالم وفي أداء رسالتنا على أكمل وجه، وإحداث حراك عالمي بشأنها، إلا أننا نتوقع أن تشهد الجائزة العام المقبل مزيداً من التحديثات، ونأمل أيضاً أن تكون انتهت هذه الظروف الاستثنائية ليتمكّن كل محبي السلام من الالتقاء للاحتفاء بالأخوة الإنسانية، وبالجائزة.
كان التوقيع على وثيقة الأخوة الإنسانية نقطة تحول كبيرة. هل يمكن أن تخبرني لماذا هو مهم من منظور عالمي؟
مثّل توقيع فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، على وثيقة الأخوة الإنسانية مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين الأديان والعلاقات الإنسانية بشكل عام، فالكثير من النزاعات والمشكلات بين البشر كانت بسبب مشاعر الحقد والكراهية والاستعلاء تجاه بعضهم بعضاً.
وجاءت وثيقة الأخوة الإنسانية لتؤكد أن البشر جميعًا أخوة ولتكون بمثابة دستور أخلاقي يمنعهم من الانزلاق وراء نزعات الهيمنة والسيطرة والقضاء على الآخر، وهي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء معظم مشكلات العالم وآلامه، لذلك نرى أن تطبيق وثيقة الأخوة الإنسانية يعني القضاء على أخطر المشكلات التي يعانيها العالم.
سيادتك أمين عام اللجنة العليا لتحقيق أهداف وثيقة الأخوة الإنسانية، فما هذه الأهداف؟ وكيف يمكن تحقيقها؟ وما دور مصر بصفتها مقر الأزهر الشريف فى تحقيق تلك الأهداف؟
تهدف وثيقة الأخوة الإنسانية إلى تحقيق التآخي بين جميع المؤمنين بالأديان، بل بين المؤمنين وغير المؤمنين، وكل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة.
فهي نداء لكل ضمير حي ينبذ العنف البغيض والتطرف الأعمى، ولكل محب لمبادئ التسامح والإخاء التي تدعو لها الأديان وتشجع عليها، بهدف الوصول إلى سلام عالمي لا يستثني أحدًا من البشر بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه، واللجنة العليا تسعى لتحقيق هذه الأهداف من خلال العديد من المبادرات العملية التي تنفذها بالتعاون مع الشركاء الدوليين.
ومن بينها مبادرات في مجال التعليم، وتعزيز دور الشباب في الحوار وجهود السلام، مثل مبادرة قمة الشباب، وجائزة زايد للأخوة الإنسانية، ومشروع البيت الإبراهيمي.
ومصر تمتلك إرثًا عريقًا من التعايش والسلام وإعلاء المواطنة بين مكوناتها الاجتماعية، وهي أيضًا بلد الأزهر الشريف، أحد الأطراف الراعية للأخوة الإنسانية، وأهم مرجعية إسلامية يتسم منهجها بالوسطية والاعتدال.
وهذا أهل مصر لأن تقوم بدور ريادي في دعم مبادئ الأخوة الإنسانية مع أشقائها العرب، وتجسد هذا الدور في تبني مصر والدول العربية لمقترح اعتماد يوم دولي للأخوة الإنسانية والتقدم به للجمعية العامة للأمم المتحدة، ونجاحها في استصدار القرار بإجماع دولي.
بمناسبة الاجتماع جرى تسليم جائزة الأخوة الإنسانية لأول مرة، فهل ستكون هذه الجائزة سنوية؟ وما قيمتها المادية والمعنوية؟ وما إنجازات حائزها هذا العام؟
انطلاقاً من السعي نحو تنفيذ المبادئ النبيلة للوثيقة التاريخية، جرى إطلاق جائزة زايد المميزة للأخوة الإنسانية، كجائزة دولية مستقلة تهدف إلى تشجيع ودعم الأفراد، والمؤسسات والمنظمات التي حققت إسهامات كبرى، لتعزيز المبادئ النبيلة للجائزة.
وتبلغ قيمة الجائزة مليون دولار يتم تقديمها سنويًا للأشخاص أو المنظمات، اعترافاً بإسهاماتهم القوية في تحقيق الأخوة الإنسانية على الصعيد العالمي.
وتم منح الجائزة في دورتها الأولى إلى فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وهذا أضاف للجائزة قيمة معنوية كبيرة جدًا، وقد حاز عليها في دورتها الثانية السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.
والسيدة لطيفة ابن زياتن، لما قدماه من أعمال جليلة، ومبادرات مؤثرة وفاعلة، جاءت منسجمة مع القيم والمبادئ المنصوص عليها في وثيقة الأخوة الإنسانية، التي تعد المعيار الأساسي للجائزة، فالسيد أنطونيو غوتيريش صاحب دور عظيم ومؤثر في وقف النزاعات والحروب حول العالم.
كما تعد السيدة لطيفة ابن زياتين، من أكثر الشخصيات النشطة والمؤثرة في مجال مكافحة التشدد والتطرف، حيث كرّست حياتها لرفع الوعي تجاه التعصب الديني.
وسط أجواء التوتر والحروب المحلية وتفشي العنف والعنصرية في الكثير من المجتمعات، هل هناك مجال للحديث عن الأخوة الإنسانية؟ وهل الأخوة الإنسانية ترف وبعد عن الواقع المرير في عالمنا اليوم؟
ما ذكرته من نزاعات وحروب وتفشي العنف والعنصرية في الكثير من المجتمعات هي سبب سعينا من أجل تحقيق الأخوة الإنسانية، وهي الدافع الذي نشأت بسببه الوثيقة، نعم نحن نحتاج إلى الأخوة الإنسانية وقت السلم ووقت الصراع وفي كل وقت، إذ إن أخوتنا هي حقيقة لا يمكننا تجاهلها.
لكن في وقت الأزمات والصراعات نحن أحوج ما نكون إلى أن نذكر البشر أنهم أخوة، وأن ما يعانونه هو بسبب انعدام احساسهم بالأخوة بينهم، لذلك فإن معايشة فضيلة الإمام الطيب وقداسة البابا فرنسيس لهذا الواقع هو الذي دفعهم للسير في طريق الأخوة الإنسانية.
وكما قلت عندما نطبق وثيقة الأخوة الإنسانية يعني أننا تمكّنا من القضاء على أخطر وأهم المشكلات التي يعاني منها البشر.
سيرة ذاتية للمتحدث القاضي محمد محمود عبد السلام
عمل القاضي محمد عبد السلام مستشاراً لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وهو المستشار القانوني لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وعضو المكتب التنفيذي لمجلس حكماء المسلمين.
في عام 2019، أصبح القاضي محمد عبد السلام أول عربي مسلم يحصل على وسام “قائد مع نجمة”، الذي كرّمه به البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، تقديراً لجهوده المخلصة التي بذلها لتعزيز الحوار بين الأديان.
كما حصل القاضي محمد محمود عبد السلام على الميدالية التذكارية للمحكمة الدستورية، تقديراً من المحكمة الدستورية في مصر لجهوده خلال تمثيله للسلطة القضائية خلال دوره الاستشاري لمدة ثماني سنوات للإمام الأكبر.