حكاية من عالم البحار اسمها «قملة القرش»
شيء في قلمي | كتب : طارق الشناوي
في عالم البحار يلتهم السمك الكبير الأسماك الصغيرة (إلا إذا)، وهذه الـ (إلا إذا) تعني في شريعة قانون البحار شيئاً واحداً، هو أن هناك منفعة متبادلة تبقى من خلالها الأسماك الكبيرة على الصغيرة وتمنحها الحياة.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك تلك العلاقة القائمة بين سمك القرش ونوع من الأسماك الصغيرة الحجم يعرف باسم (قملة القرش)، تدخل هذه القملة داخل أنياب سمك القرش، وهي آمنة على نفسها، لأنها تنظف أسنان سمك القرش، وتلتهم بقايا الطعام بين أسنانه.
تشبع الأسماك الصغيرة من هذه الوجبة المضمونة، التي تحصل عليها بدون مجهود، بينما يشعر سمك القرش بعدها بالارتياح، بعد أن لعبت هذه الأسماك دور طبيب الأسنان الماهر، ليبدأ بعد ذلك القرش رحلته في التهام الأسماك الأكبر حجماً أو التهام البشر.
ويفتح بعد ذلك فكّه المتعب أمام قملة القرش، ويتكرر في كل مرة قانون المقايضة بين حياة القملة ومقابلها تنظيف فك سمك القرش.
هذا هو قانون عالم البحار، ولقد انتقل هذا القانون في أسلوب التعامل بين النجوم وعدد من العاملين في الصحافة والنقد الفني، وذلك بعد أن تشابكت المصالح بين الأطراف، وارتضى بعض محرري صفحات الفن بدور القملة.
وكأنهم خلقوا في هذه الدنيا لتحقيق شيء واحد، لا يتجاوز تطييب خاطر النجوم والنجمات والدفاع عنهم، حتى لو أدّى ذلك إلى أن يهاجموا زملاءهم إذا قالوا رأياً لم يعجب أسماك القرش، فلا بأس من التضحية بهم (أقصد الصحفيين) عبر قنوات التليفزيون الأرضية والفضائية والتنكيل بهم و(شرشحتهم) إذا لزم الأمر!
لو أنك قلّبت بين القنوات التليفزيونية لوجدت أن بعض معدي ومقدمي البرامج تحولوا إلى راقصين من بطانة النجوم، لا يعنيهم شيئاً سوى التصفيق والتهليل لهؤلاء النجوم، سواء صفقوا وهللوا بأيديهم أو بأقلامهم.
ورغم أن أغلب النجوم يحصلون على أجور مرتفعة مقابل تسجيل هذه البرامج فإنهم يشترطون كل شيء، من إعداد الأسئلة وحذف ما يجدونه غير ملائم وأسلوب التخاطب وزاوية الكاميرا والمواد المعروضة من المادة الأرشيفية بين الفقرات ومقدم البرامج أو المعد، لا هم له سوى مناصرة النجم.
وتأكيد أنه لا يأتيه الباطل من بين أعماله الفنية ولا خلفها. لكن هل تدوم دائماً هذه العلاقة وتسعد القملة بالبقايا؟
على الجميع أن يستوعبوا الدرس من (القرش)، ويتابعوا باقي حكاية (القملة). بعد أن تظل تتغذى على بقايا الطعام بين فكي القرش يكبر حجمها وتتضاءل حركتها.
وبعد أن يسمح لها القرش بالدخول فاتحاً فكيه يغلقهما، ثم يلتهم قملة القرش التي أصبحت عجوزاً، ويبحث عن قملة أخرى أقل وزناً وأسرع حركة.
وهذا هو المصير الذي ينتظر عديداً من مقدّمي ومعدي البرامج الذين يلعبون بكفاءة منقطعة النظير دور القملة. باعوا حرمة وحرية قلمهم وآرائهم، واشتروا خواطر النجوم والنجمات مقابل بضع مئات أو الألوف من الجنيهات أو الدولارات أو اليوروهات، وما أبخسه من ثمن، وما أسوأه من مصير!