ضحايا الإضطراب النفسي .. كيف يقلب المريض النفسي الطاولة عليك
تتردد جملة ذات مغزى عميق في أروقة مستشفيات الطب النفسي تقول : “في مستشفى الطب النفسي لا يأتينا المـرضى بل ضحاياهم”.
هذه العبارة تكثف مشهداً إنسانياً معقداً يلامس حياة العديد من الأشخاص مشهداً يتمحور حول طبيعة المرض النفسي وتأثيره ليس فقط على المصاب بل على كل من حوله.
إنها تصف بدقة الموقف الذي يكون فيه الشخص المضطرب غير واعٍ أو غير معترف بخلله في الوقت الذي يعاني فيه الآخرون من تبعات سلوكه.
الإنكار وغياب الإعتراف بالمشكلة
إن السمة الأكثر شيوعاً وتحدياً في التعامل مع بعض الإضطرابات النفسية هي إنكار المريض لحاجته للعلاج.
المريض النفسي غالباً لا يرى نفسه في حاجة إلى مساعدة ولا يعترف بوجود مشكلة من الأساس.
على العكس من ذلك قد يصل به الأمر إلى مرحلة الإقتناع التام بأن جميع تصرفاته وسلوكياته طبيعية وسليمة تماماً ولا تشوبها شائبة.
هذا الإقتناع الراسخ يعيق أي محاولة للتدخل أو تقديم العون ويجعل من الصعب عليه تقبل فكرة أنه قد يكون مخطئاً.
قلب الطاولة .. إستراتيجية التشكيك النفسي
تبدأ هنا دائرة المعاناة التي تطال المحيطين .
فبدلاً من مواجهة الذات يبدأ المريض في إستخدام ما يُعرف بـ “الألاعيب النفسية” لقلب الموازين.
يمارس المريض تدريجياً وببراعة إستراتيجية متواصلة لإقناع من أمامه بأن المشكلة تكمن فيهم هم.
يُقنعهم بأنهم السبب في كل ردود أفعاله السلبية.
يُشعِرهم بأن ردود أفعالهم مبالغ فيها أو “زيادة”.
يُصوّر لهم أن إحساسهم الداخلي ليس “مضبوطاً” أو غير صحيح.
النتائج المدمرة .. الشك في الذات والعقل
ضحايا الإضطراب النفسي نتيجة لهذا التلاعب المستمر تتآكل ثقة الضحية بنفسها شيئاً فشيئاً.
يستمر المريض في التشكيك بالآخرين حتى يبدأوا فعلاً في تصديق أنهم هم المخطئون. يشكّون في تقييمهم للموقف وفي قراراتهم بل وقد يصل الأمر إلى الشك في عقلهم وقدرتهم على التمييز السليم.
هذا الإحساس بالضياع والشك الذاتي هو الذي يجعل هؤلاء الأشخاص هم الضحايا الحقيقيون الذين قد يحتاجون إلى دعم نفسي متخصص.
الخلاصة .. بين الخلل و “الذكاء” الموهوم
من المهم التأكيد على أن الإعتماد على هذه الألاعيب النفسية والتلاعب اللفظي الذي يهدف إلى زعزعة ثقة الآخرين ليس ذكاء ولا قوة.
إنما هو خلل حقيقي ونتاج لمشكلة عميقة الجذور داخل نفس الشخص المضطرب.
فبدلاً من أن يسعى لإصلاح نفسه ومعالجة هذا الخلل الداخلي يختار أن يُفرّغه في الآخرين جاعلاً منهم كبش فداء لمعاناته الداخلية.
هكذا يتضح جلياً لماذا يصدق القول .. إن من يصل إلى باب المصحة النفسية قد يكون هو الضحية التي إستنزفتها تلك الألاعيب وليس بالضرورة المريض الذي لا يزال يرى نفسه على صواب.














