القصة التي هزّت «القاهرة السينمائي».. تيريزا والعجوز التي رفضت «عربة التجاعيد»
مراجعة سينمائية لفيلم «المسار الأزرق ـ The Blue Trail» للمخرج غابرييل ماسكارو الذي أختير لإفتتاح مهرجان القاهرة السينمائي

رؤية سينمائية تحذر من تهميش كبار السن
يُفتتح فيلم «المسار الأزرق» بصوت سلطوي يُعلن أن «بلدنا يتجه نحو المستقبل» وفي هذه الرؤية السينمائية التي صاغها الكاتب تيبيريو أزول ونفذها المخرج غابرييل ماسكارو ببراعة يتضح أن البرازيل ليست بلدًا للنساء المسنات على وجه الخصوص.
يقدم الفيلم قصة قوية لإمرأة ترفض وضع السن سقفًا لطموحها ويمثل تحذيرًا قويًا للمشاهدين من تهميش كبار السن في المجتمع.
البرازيل في «المسار الأزرق» إرث حي مهمش
يعكس الفيلم صورة مختلة للعالم كما هو عليه الأمر الذي قد يجعل التخلص من تأثيره صعبًا.
في البرازيل التي يُصوّرها ماسكارو تُصنّف الحكومة كبار السن «إرثًا حيًا» وتُطبّق بروتوكولات قانونية لتهميشهم.
تشمل هذه البروتوكولات إجبارهم على التقاعد ونقل الوصاية إلى أقارب أصغر سنًا بحجة توفير الرعاية والحماية لهم.
هذا التدبير يتجاوز مجرد التهويل بشأن المسار الذي تسلكه البرازيل فحسب.
فبدلًا من معالجة الأعراض يُشخّص الفيلم المرض مُهاجمًا بذلك نظامًا فكريًا لا يقتصر على بلد واحد.
يُمثّل السيناريو نتيجة منطقية مُخيفة لثقافة الإنتاجية والتحسين حيث تُصبح رعاية كبار السن مجرد عبء إقتصادي يتطلب حلًا جذريًا قائمًا على العقلانية على حساب الإنسانية.
تيريزا والعجوز وتمردها على سقف العمر
هذا الواقع يُشكّل مُشكلة خاصة لتيريزا (دينيس واينبرغ) البالغة من العمر 77 عامًا التي تجاوزت الحدّ الأقصى للعمر بعد خفضه من 80 إلى 75 عامًا.
ترفض هذه العاملة في المصنع قبول تمجيد البرازيل المُنافق لتقدمها في السن.
تشعر تيريزا أن لديها الكثير لتقدمه للعالم والكثير مما ترغب في أخذه. تُكبت الدولة كل خطوة تتخذها للشعور ببعض الإستقلال حتى وصل الأمر إلى رفض قدرتها على حجز السفر دون إذن إبنتها جوانا (كلاريسا بينيرو).
رحلة الحرية والإستكشاف عبر الأمازون
بدلًا من مواجهة «عربة التجاعيد» التي تنقل كبار السن إلى أماكنهم المنعزلة تنطلق تيريزا في مهمة متمردة عبر نهر الأمازون.
هدفها هو إثارة شغفها بالحرية والإستكشاف. تتضمن رحلتها عبر «المسار الأزرق» منعطفات مفاجئة لا تقل عن النهر نفسه مع لقاءات وتجارب تنتظرها دائمًا عند المنعطف التالي.
هذه البنية تناسب أمل الشخصية وقدرتها على الصمود لأن الشيخوخة لا يجب أن تُعتبر فترة النهاية.
أداء دينيس واينبرغ وشخصيات الرحلة
تمنح دينيس واينبرغ تيريزا قوة وحيوية وهشاشة مما يجعل كل تطور في الحبكة ممتعًا للمشاهد.
هدف تيريزا المعلن هو الطيران لكن مهمتها الحقيقية هي أن تثبت لنفسها وللآخرين أنه لا أحد يستطيع التحكم في طموحاتها.
إنها عنيدة وواثقة بنفسها وهذا يحدث فرقًا حيث تُصبح دوامة الشخصيات التي تُساعدها في الوصول إلى وجهتها النهائية غريبة بعض الشيء.
ومن بين هذه الشخصيات قبطان قارب التهريب كادو (رودريجو سانتورو) والبائعة المُلحدة روبرتا (ميريام سوكاراس).
بساطة الرؤية البديلة وقوة التفاصيل
تميل بعض عناصر الفيلم الخيالية مثل حلزون كادو الذي يُفرز مادة لزجة زرقاء مُهلوسة وإنجيل روبرتا الرقمي إلى السذاجة.
يبدو ماسكارو أكثر ثقة عندما يُركز على بساطة رؤيته البديلة للبرازيل بدلًا من غموضها مُلمحًا إلى الإضطرابات المجتمعية.
تفاصيل صغيرة مثل كتابة «أعيدوا لي جدي» على جدار تمر به تيريزا تثير العواطف بقدر ما تثير الإستفزاز.
إنتصار هادئ وأمل لا محدود
على الرغم من مدة عرض «المسار الأزرق» القصيرة التي تبلغ 86 دقيقة تبدو رحلة تيريزا المتجولة جوهرية ومرضية.
تيريزا والعجوز إنها قصة عن إنتصار هادئ يُدرك أن أفضل ثقل موازن ليد السوق الخفية هو مد يد العون لأحلام من تركهم خلفه.
تبدو متع الفيلم وإمكانياته لا حدود لها تمامًا كآمال تيريزا في المستقبل.
ويُظهر المخرج غابرييل ماسكارو بتعاطف كيف أن المستقبل الذي لا يفسح المجال لماضيه لا يستحق المغامرة أبدًا.













