شهدت مدينة قابس جنوب تونس خلال أكتوبر 2025 موجة احتجاجات شعبية واسعة، شارك فيها آلاف المواطنين، للمطالبة بتفكيك مجمع الصناعات الكيميائية في المدينة، والذي يُتهم منذ سنوات بأنه مصدر رئيسي للتلوث البيئي، وتدهور الصحة العامة في المنطقة. الاحتجاجات التي بدأت سلمية تحولت إلى اعتصامات مفتوحة أمام المجمع، وسط رفع شعارات مثل “نريد أن نتنفس” و”البيئة حق للجميع”.
المحتجون أكدوا أن المجمع يُطلق مواد سامة في الهواء والمياه، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض تنفسية وسرطانية، خاصة بين الأطفال وكبار السن. كما أشاروا إلى تراجع الثروة البحرية في خليج قابس، وتدهور الأراضي الزراعية المحيطة، نتيجة التلوث المستمر منذ عقود.
السلطات التونسية ردت بإرسال وفد وزاري إلى المدينة، ضم وزراء البيئة والصحة والصناعة، لفتح حوار مع الأهالي، وتقييم الوضع البيئي. الرئيس التونسي قيس سعيّد تعهد خلال اجتماع حكومي باتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الوضع، وقال إن “الحق في بيئة سليمة لا يقل أهمية عن الحق في التعليم والصحة”.
وزارة البيئة التونسية أعلنت عن تشكيل لجنة فنية مستقلة، تضم خبراء محليين ودوليين، لإجراء دراسة شاملة حول تأثير المجمع على البيئة والصحة، وتقديم توصيات خلال 60 يومًا. كما تم تعليق بعض الأنشطة الصناعية مؤقتًا داخل المجمع، لحين انتهاء التحقيقات.
منظمات المجتمع المدني، مثل “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، دعمت مطالب المحتجين، وطالبت بوضع خطة وطنية لإعادة تأهيل المناطق الصناعية الملوثة، وتوفير بدائل اقتصادية مستدامة لسكان قابس، الذين يعتمدون جزئيًا على المجمع في فرص العمل.
في المقابل، عبّر بعض العاملين في المجمع عن قلقهم من فقدان وظائفهم، وطالبوا الحكومة بضمان حقوقهم في حال تم إغلاق أو تقليص نشاط المصنع. هذا التوتر بين الحق البيئي والحق الاقتصادي يعكس تعقيد الأزمة، ويطرح تحديًا كبيرًا أمام صناع القرار.
الخبراء البيئيون يرون أن أزمة قابس ليست حالة فردية، بل نموذج لما يحدث في العديد من المدن الصناعية في العالم العربي، حيث تغيب الرقابة البيئية، وتُهمّش صحة السكان لصالح النمو الاقتصادي. ويؤكدون أن الحل يكمن في التحول نحو صناعات نظيفة، وتطبيق صارم للمعايير البيئية الدولية.
كما أشار تقرير صادر عن منظمة “غرينبيس شمال أفريقيا” إلى أن قابس تُعد من أكثر المدن تلوثًا في المنطقة، وأن مستويات ثاني أكسيد الكبريت في الهواء تتجاوز المعدلات الآمنة بنسبة 300%، ما يُشكل خطرًا مباشرًا على الصحة العامة.
في النهاية، احتجاجات قابس تُعيد فتح ملف البيئة في تونس، وتُسلط الضوء على أهمية العدالة البيئية، وضرورة التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية الإنسان والطبيعة.














