السكري ليس قدرًا: عوامل تزيد من خطر إصابتك وكيف تُسيطر عليها
يُعد مرض السكري تحديًا صحيًا عالميًا متزايدًا، يُؤثر على ملايين الأشخاص ويُمكن أن يُؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يتم التحكم فيه. ورغم أن بعض العوامل الوراثية تلعب دورًا، إلا أن الغالبية العظمى من حالات السكري (خاصة النوع الثاني) لا تُعد قدرًا محتومًا. بل هي نتيجة لتفاعل معقد بين الاستعداد الوراثي ونمط الحياة والعوامل البيئية. فهم هذه العوامل التي تزيد من خطر إصابتك يُمكن أن يُشكل خط الدفاع الأول، ويُمكنك من اتخاذ خطوات استباقية وفعالة لتقليل هذا الخطر بشكل كبير، أو حتى منع تطور المرض.
إن الوعي هو مفتاح الوقاية والتحكم. دعنا نتعرف على أبرز العوامل التي تجعلك أكثر عرضة لمرض السكري، وما الذي يُمكنك فعله للسيطرة على هذه المخاطر.
السكري: أنواع مختلفة ومخاطر متقاربة
يُمكن تقسيم السكري إلى أنواع رئيسية:
- السكري من النوع الأول: مرض مناعي ذاتي يُدمر خلايا بيتا في البنكرياس التي تُنتج الإنسولين. لا يُمكن الوقاية منه في الوقت الحالي، وغالبًا ما يُصيب الأطفال والشباب.
- السكري من النوع الثاني: هو الأكثر شيوعًا، ويُشكل حوالي 90-95% من حالات السكري. يحدث عندما يُصبح الجسم مقاومًا للإنسولين، أو عندما لا يُنتج البنكرياس ما يكفي من الإنسولين للحفاظ على مستويات السكر طبيعية. هذا النوع هو الذي سنتناول عوامل خطره القابلة للتعديل.
- سكري الحمل: يحدث أثناء الحمل ويُمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالنوع الثاني لاحقًا.
تُركز هذه المقالة بشكل أساسي على عوامل الخطر للسكري من النوع الثاني، نظرًا لإمكانية التحكم في العديد منها.
7 عوامل رئيسية تزيد من خطر إصابتك بالسكري (وكيف تتصرف):
إليك العوامل الأكثر شيوعًا التي تُعرضك لخطر الإصابة بالسكري، وما يجب عليك فعله حيالها:
1. زيادة الوزن أو السمنة:
- الخطر: هذا هو عامل الخطر الأقوى والأكثر شيوعًا للإصابة بالسكري من النوع الثاني. الدهون الزائدة، خاصة حول البطن (دهون البطن الحشوية)، تُؤدي إلى مقاومة الإنسولين. تُصبح خلايا الجسم أقل استجابة للإنسولين، مما يُجبر البنكرياس على إنتاج المزيد والمزيد من الإنسولين لخفض مستويات السكر في الدم، حتى يُرهق ويفشل في النهاية.
- ما يجب عليك فعله:
- خفض الوزن: حتى فقدان 5-7% من وزن الجسم الكلي يُمكن أن يُقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالسكري.
- اتباع نظام غذائي صحي: ركز على الأطعمة الكاملة غير المصنعة، وقلل من السكريات المضافة، الكربوهيدرات المكررة، والدهون غير الصحية.
- النشاط البدني: الدمج بين التغذية السليمة والتمارين الرياضية.
2. الخمول البدني وقلة النشاط:
- الخطر: عدم ممارسة النشاط البدني بانتظام يُقلل من حساسية خلايا الجسم للإنسولين. تُصبح العضلات أقل كفاءة في استخدام الجلوكوز للحصول على الطاقة، مما يُؤدي إلى ارتفاع مستوياته في الدم.
- ما يجب عليك فعله:
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام: استهدف ما لا يقل عن 150 دقيقة من التمارين الهوائية متوسطة الشدة أسبوعيًا (مثل المشي السريع، السباحة، ركوب الدراجات).
- دمج تمارين القوة: لزيادة الكتلة العضلية التي تُساعد في استهلاك الجلوكوز.
- تقليل فترات الجلوس الطويلة: قم بالوقوف أو المشي كل 30 دقيقة إذا كان عملك يتطلب الجلوس لساعات طويلة.
3. التاريخ العائلي للإصابة بالسكري:
- الخطر: إذا كان أحد والديك أو إخوتك يُعاني من السكري من النوع الثاني، فإن خطر إصابتك يزيد. هذا يُشير إلى وجود استعداد وراثي.
- ما يجب عليك فعله:
- كن أكثر يقظة: بما أن لديك استعدادًا وراثيًا، يجب أن تُصبح أكثر انتباهًا لعوامل الخطر الأخرى القابلة للتعديل.
- الفحص المبكر: ناقش مع طبيبك البدء في فحوصات سكر الدم بشكل منتظم في سن مبكرة أو بشكل أكثر تكرارًا.
- تبني نمط حياة صحي مبكرًا: لا تنتظر ظهور الأعراض.
4. العرق أو الإثنية:
- الخطر: تُظهر بعض المجموعات العرقية والإثنية (مثل الأفارقة، الأمريكيين اللاتينيين، الأمريكيين الأصليين، الآسيويين، وسكان جزر المحيط الهادئ) معدلات أعلى للإصابة بالسكري من النوع الثاني، لأسباب بيولوجية وبيئية غير مفهومة بالكامل بعد.
- ما يجب عليك فعله:
- وعي مُتزايد بالمخاطر: إذا كنت تنتمي إلى إحدى هذه المجموعات، فكن أكثر وعيًا بالمخاطر واتخذ إجراءات وقائية.
- الفحوصات المنتظمة: التحدث مع طبيبك حول أهمية الفحص الدوري.
5. العمر (فوق 45 عامًا):
- الخطر: يزداد خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني مع التقدم في العمر، خاصة بعد سن 45 عامًا. يُعتقد أن ذلك يُعزى إلى تدهور وظيفة خلايا البنكرياس بمرور الوقت، وزيادة مقاومة الإنسولين مع الشيخوخة، بالإضافة إلى ميل الأشخاص لزيادة الوزن وقلة النشاط البدني مع تقدم العمر.
- ما يجب عليك فعله:
- الفحص الدوري: ابدأ في فحوصات السكري المنتظمة بعد سن 45، أو قبل ذلك إذا كانت لديك عوامل خطر أخرى.
- الحفاظ على نمط حياة صحي: يُمكن أن يُقلل من تأثير عامل العمر.
6. ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول غير الصحي:
- الخطر: غالبًا ما تسير هذه الحالات جنبًا إلى جنب مع مقاومة الإنسولين. ارتفاع ضغط الدم يُمكن أن يُضر بالأوعية الدموية ويُزيد من مقاومة الإنسولين. ارتفاع الكوليسترول الضار (LDL) والدهون الثلاثية، وانخفاض الكوليسترول الجيد (HDL)، كلها تُشير إلى خلل أيضي يزيد من خطر السكري وأمراض القلب.
- ما يجب عليك فعله:
- إدارة هذه الحالات: اعمل مع طبيبك للتحكم في ضغط الدم ومستويات الكوليسترول من خلال تغييرات في نمط الحياة (النظام الغذائي، التمارين) و/أو الأدوية إذا لزم الأمر.
- فحص منتظم: راقب ضغط دمك ومستويات الكوليسترول بانتظام.
7. سكري الحمل أو ولادة طفل بوزن كبير:
- الخطر: إذا أصبت بسكري الحمل أثناء الحمل، أو أنجبت طفلاً يزن أكثر من 4 كيلوجرامات (9 أرطال)، فإن خطر إصابتك بالسكري من النوع الثاني لاحقًا في الحياة يزداد بشكل كبير.
- ما يجب عليك فعله:
- الفحص بعد الولادة: تأكدي من إجراء فحص السكري بعد 6-12 أسبوعًا من الولادة، ثم استمري في الفحص الدوري كل 1-3 سنوات.
- تبني عادات صحية: يُمكن أن تُقلل هذه العادات من خطر الإصابة بالسكري على المدى الطويل.
نصائح إضافية لتقليل خطر الإصابة بالسكري:
- لا تُهمل مرحلة “ما قبل السكري”: إذا تم تشخيصك بمرحلة ما قبل السكري (حيث تكون مستويات السكر أعلى من الطبيعي ولكنها ليست مرتفعة بما يكفي لتشخيص السكري)، فهذه فرصة ذهبية للمنع. تغييرات نمط الحياة في هذه المرحلة يُمكن أن تُعيد مستويات السكر إلى طبيعتها.
- تجنب التدخين: التدخين يُزيد من مقاومة الإنسولين ويُضر بالخلايا.
- إدارة التوتر: التوتر المزمن يُمكن أن يُؤثر على مستويات السكر في الدم.
- النوم الكافي: قلة النوم تُؤثر سلبًا على حساسية الإنسولين.
- الفحص الدوري: تحدث مع طبيبك حول الفحوصات المنتظمة لمستويات السكر في الدم، خاصة إذا كانت لديك عوامل خطر متعددة.
الخلاصة: مرض السكري من النوع الثاني ليس بالضرورة مصيرًا لا مفر منه. بينما لا يُمكنك تغيير عوامل مثل العمر أو التاريخ العائلي، إلا أن فهمك ووعيك بالعوامل القابلة للتعديل (مثل الوزن، النشاط البدني، والنظام الغذائي) يُمكن أن يُمكنك من السيطرة على صحتك. اتخاذ خطوات استباقية مثل الحفاظ على وزن صحي، ممارسة الرياضة بانتظام، واتباع نظام غذائي متوازن، يُمكن أن يُقلل بشكل كبير من خطر إصابتك بالسكري. استشر طبيبك بانتظام وكن شريكًا فعالًا في رحلتك الصحية، فصحتك بين يديك.