الدبلوماسية حين تُروى… بقلم أميرة التهامي..
كيف تحولت زيارة ماكرون إلي مصر لسردية دولية محكمة ؟
خبيرة العلاقات العامة والاتصال المؤسسي
في عالم يفيض بالمعلومات ويتنازع على الانتباه، لم تعد الدبلوماسية تُقاس فقط بعدد الاتفاقيات أو الصور الرسمية، بل أصبحت تُقاس بقدرة القادة على “رواية القصة”. زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة إلى مصر لم تكن استثناءً من هذا التحول، بل كانت تجسيداً له في أبهى صوره.
كان من الصعب جدا ألا تلفت الزيارة وسياقاتها ومساراتها ونتائجها انتباهي، وأنا من شغفت كثيرا بمهامي ومسيرتي في مجال العلاقات العامة، وقرأت كثيرا، وآمنت أكثر، بعقلانية الدراسات الأكاديمية التي ربطت بين هذه المهنة وبين الدبلوماسية، إذ تتقاطعان في الأدوات والمهارات والمعارف اللازمة لمخاطبة طبقات مختلفة وفق رسائل معقدة ومركبة لكن كل منها تشق طريقها بسلاسة وفعالية إلى الجمهور المستهدف.
على أن أكثر ما جذبني ودفعني للتصفيق بإخلاص إلى القائمين على تنظيم هذه الزيارة، هو القدرة الروائية على تمرير الرسائل المتعددة وفق إطار سردي محبوك ومحكم، يفهم العالم ويدرك طريقة تفكيره، ويخاطبه بلغة يفهمها ويحرك فيه الحب والجمال والخير والإنسانية.
ما دونته على حساباتي لم يكن إلا محاولة لتسليط الضوء على الطريقة التي صُممت و خطّطت لها الزيارة لتكون أكثر من حدث سياسي. من خان الخليلي وقهوة نجيب محفوظ، إلى مسجد الحسين، فزيارة العريش والمستشفى العام هناك، ووصولاً إلى المتحف المصري الكبير، كل محطة لم تكن عفوية، بل مُخطط لها بعناية لتعكس رسائل متعددة الأبعاد من احترام الثقافة، والتواصل الإنساني، والتعاطف السياسي.
ما لفتني فعلاً لم يكن فقط البرنامج الغني والمتنوع، بل الطريقة التي تم تقديمه بها. لا خطابات رسمية، لا مشهدية مصطنعة. فقط رئيس يعيش تجربة في شوارع مصر، يراقب، ويتفاعل، ثم يروي بنفسه، وباللغة العربية أحياناً، ما شاهده وشعر به. هذا ليس مجرد تواصل، بل استراتيجية مؤسسية ذكية وعميقة تعطي رسائل مباشرة وغير مباشرة للعالم أجمع.
لقد أصبح واضحاً اليوم أن من يملك القصة، يملك التأثير والأثر معاً، وأن العلاقات العامة ليست درعاً دعائياً أو تسويقياً فقط وهي الرسالة التي طالما أصررت على عرضها دوما والتحدث عنها مرارا وتكرار لأنها ببساطة أداة استراتيجية تُعيد تعريف الصورة وتوصيل الرسالة وإبقاء الأثر. زيارة ماكرون كانت دليلاً على أن التخطيط الإعلامي المحكم يمكن أن يحوّل جولة رسمية إلى لحظة رمزية عابرة للحدود.
في زمن أصبحت التكنولوجيا فيه سائدة ومسيطرة، وفي ظل وسائل تواصل اجتماعي جعلت الشعوب أكثر انفتاحا على العالم وأكثر تواصلا مع محيطاتها، ومع تداخل السياسة مع الإعلام والتكنولوجيا، بات من الضروري أن ندرك أن الصورة وحدها لا تكفي، القصة وراء الصورة هي ما يصنع الفرق. وما رأيناه في هذه الزيارة، كان قصة متكاملة، بإخراج استثنائي، ورسائل عميقة.