بعد التعافي من السرطان..كيف تُصبح التمارين الرياضية درعًا واقيًا ضد عودة المرض

الصحة والجمال

استمع الي المقالة
0:00

بعد التعافي من السرطان: كيف تُصبح التمارين الرياضية درعًا واقيًا ضد عودة المرض؟

لطالما اعتُبرت التمارين الرياضية ركيزة أساسية للصحة العامة، لكن الأبحاث الحديثة تُقدم أدلة متزايدة تُشير إلى دورها الحاسم في سياق مختلف تمامًا وأكثر أهمية: منع تكرار الإصابة بالسرطان بعد التعافي. فبعد خوض غمار معركة العلاج، يُصبح هاجس العودة المرض شبحًا يُلاحق الناجين. تُبشر الدراسات العلمية بأن النشاط البدني المنتظم لا يُعزز جودة الحياة فحسب، بل يُمكن أن يُصبح استراتيجية وقائية قوية تُقلل بشكل ملموس من فرص عودة السرطان.

هذا الكشف يُغير طريقة تفكيرنا في مرحلة ما بعد العلاج، ويُشجع على تبني نمط حياة نشط كجزء لا يتجزأ من خطة التعافي الشاملة.


 

السرطان والعودة: تحدٍ يواجه الناجين

 

يُقضي علاج السرطان (الجراحة، العلاج الكيميائي، العلاج الإشعاعي) على الخلايا السرطانية أو يُسيطر عليها. ومع ذلك، قد تبقى بعض الخلايا السرطانية المجهرية بعد العلاج، والتي يُمكن أن تُسبب تكرار الإصابة بالمرض في المستقبل. الناجون من السرطان يُواجهون أيضًا تحديات صحية طويلة الأمد، مثل التعب المزمن، الألم، الاعتلال العصبي، والمخاطر المتزايدة لأمراض أخرى مثل أمراض القلب والسكري.

هنا يبرز دور التمارين الرياضية كأداة متعددة الأوجه تُساهم في تحسين هذه الجوانب جميعها.


 

كيف تُصبح التمارين الرياضية حارسًا ضد تكرار السرطان؟ آليات عمل متعددة

 

تُشير الأبحاث إلى أن التمارين الرياضية تُمارس تأثيرها الوقائي ضد تكرار السرطان من خلال آليات بيولوجية معقدة ومترابطة:

  1. تحسين حساسية الإنسولين وتنظيم مستويات السكر:
    • العلاقة بالسرطان: العديد من أنواع السرطان (مثل القولون والثدي والبنكرياس) ترتبط بمقاومة الإنسولين وارتفاع مستويات الإنسولين في الدم. فالإنسولين، خاصة عند المستويات المرتفعة، يُمكن أن يُحفز نمو الخلايا السرطانية.
    • دور التمارين: النشاط البدني يُحسن من حساسية خلايا الجسم للإنسولين، مما يُقلل من مستوياته في الدم ويُقلل من الإشارات التي تُحفز نمو الخلايا السرطانية. كما يُساعد في تنظيم مستويات سكر الدم بشكل عام.
  2. تقليل الالتهاب المزمن:
    • العلاقة بالسرطان: الالتهاب المزمن في الجسم يُعد بيئة خصبة لنمو الخلايا السرطانية وانتشارها، ويُساهم في مقاومة العلاج وتكرار الإصابة.
    • دور التمارين: التمارين الرياضية المنتظمة تُقلل من علامات الالتهاب في الجسم، مثل البروتين التفاعلي C (CRP)، وتُعزز من إفراز المواد المضادة للالتهاب، مما يُساهم في بيئة داخلية أقل دعمًا لنمو السرطان.
  3. إدارة الوزن وتقليل الدهون الزائدة:
    • العلاقة بالسرطان: السمنة وزيادة الوزن تُعدان عامل خطر رئيسيًا للعديد من أنواع السرطان (مثل الثدي، القولون، الكلى، المبيض، البنكرياس). تُخزن الخلايا الدهنية مواد تُحفز الالتهاب، وتُنتج هرمونات (مثل الإستروجين) وعوامل نمو تُشجع على تطور السرطان وتكراره.
    • دور التمارين: تُساعد التمارين الرياضية بشكل فعال في إنقاص الوزن والحفاظ عليه، مما يُقلل من هذه العوامل المُعززة للسرطان.
  4. تعزيز وظيفة الجهاز المناعي:
    • العلاقة بالسرطان: الجهاز المناعي القوي يُمكن أن يُحدد ويُهاجم الخلايا السرطانية المتبقية أو الخلايا التي بدأت في التطور.
    • دور التمارين: تُعزز التمارين الرياضية من نشاط الخلايا المناعية (مثل الخلايا القاتلة الطبيعية T-cells)، وتُحسن من قدرة الجهاز المناعي على مراقبة الجسم بحثًا عن الخلايا السرطانية والقضاء عليها. كما تُحسن من الدورة الدموية، مما يُساعد الخلايا المناعية على الوصول إلى الأماكن المستهدفة بفاعلية أكبر.
  5. تحسين مستويات الهرمونات الجنسية (خاصة في سرطان الثدي والبروستاتا):
    • العلاقة بالسرطان: في بعض أنواع السرطان الحساسة للهرمونات (مثل سرطان الثدي الحساس للإستروجين وسرطان البروستاتا)، تلعب المستويات المرتفعة من هذه الهرمونات دورًا في نمو الورم وتكراره.
    • دور التمارين: يُمكن للتمارين الرياضية أن تُساعد في تنظيم مستويات الهرمونات الجنسية، مما يُقلل من العوامل التي تُغذي هذه الأنواع من السرطان.

 

أنواع التمارين الرياضية الموصى بها للناجين من السرطان:

 

لا يوجد نوع واحد “مثالي” من التمارين، والمفتاح هو الجمع بين أنواع مختلفة والبدء ببطء، مع الأخذ في الاعتبار حالة المريض وقدرته البدنية.

  • التمارين الهوائية (الكارديو):
    • الهدف: تُعزز صحة القلب والرئة، تُساعد في إدارة الوزن، وتُحسن المزاج.
    • أمثلة: المشي السريع، الركض الخفيف، السباحة، ركوب الدراجات، الرقص.
    • الكمية الموصى بها: يُوصى عادة بـ 150 دقيقة على الأقل من التمارين الهوائية متوسطة الشدة (يُمكنك التحدث فيها ولكن لا تستطيع الغناء) أسبوعيًا، أو 75 دقيقة من التمارين عالية الشدة.
  • تمارين القوة (المقاومة):
    • الهدف: بناء العضلات والحفاظ عليها، تحسين كثافة العظام، وزيادة الأيض. العضلات النشطة تُساهم في تحسين حساسية الإنسولين.
    • أمثلة: رفع الأثقال الخفيفة، تمارين وزن الجسم (الضغط، القرفصاء، اللانج)، استخدام أربطة المقاومة.
    • الكمية الموصى بها: مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا، مع استهداف جميع المجموعات العضلية الرئيسية.
  • تمارين المرونة والتوازن:
    • الهدف: تحسين نطاق الحركة، تقليل التيبس، ومنع السقوط.
    • أمثلة: اليوجا، البيلاتس، تمارين الإطالة الخفيفة.
    • الكمية الموصى بها: عدة مرات في الأسبوع.

 

نصائح هامة للناجين من السرطان قبل بدء برنامج رياضي:

 

  1. استشارة الطبيب: هذه هي الخطوة الأكثر أهمية. قبل البدء في أي برنامج رياضي، يجب على الناجي من السرطان استشارة طبيبه أو فريق الرعاية الصحية. سيُقيّم الطبيب الحالة الصحية للمريض، ونوع السرطان، والعلاجات التي تلقاها، وأي مضاعفات، ويُقدم إرشادات مُخصصة حول نوع وشدة ومدة التمارين الآمنة.
  2. البدء ببطء والتدرج: لا تُحاول المبالغة في البداية. ابدأ بأنشطة خفيفة جدًا (مثل المشي 10 دقائق يوميًا) وزد المدة والشدة تدريجيًا. الاستماع إلى جسدك أمر حاسم.
  3. الاستعانة بمتخصص: يُمكن لأخصائي العلاج الطبيعي أو مدرب اللياقة البدنية المتخصص في رعاية مرضى السرطان أن يُصمم برنامجًا آمنًا وفعالًا.
  4. التعامل مع التعب: التعب المرتبط بالسرطان هو عرض شائع. لا تُجبر نفسك على التمرين عندما تكون مُنهكًا. ركز على التمارين قصيرة المدة والمُتكررة.
  5. الاستمرارية: الاتساق أهم من الشدة. اجعل النشاط البدني جزءًا منتظمًا من روتينك اليومي.
  6. الاستمتاع: اختر الأنشطة التي تُحبها لتُصبح التمارين مصدرًا للمتعة لا عبئًا.

الخلاصة: لم تعد التمارين الرياضية مجرد إضافة لنمط الحياة الصحي للناجين من السرطان، بل أصبحت تُعتبر علاجًا وقائيًا فعالًا ضد تكرار الإصابة. من خلال آليات معقدة تُحسن الأيض، تُقلل الالتهاب، تُدير الوزن، وتُعزز المناعة، تُقدم التمارين درعًا إضافيًا يُعزز من فرص التعافي الكامل والحياة الصحية على المدى الطويل. ابدأ رحلتك النشطة بعد السرطان باستشارة طبيبك، ومع كل خطوة، تذكر أنك لا تُحسن صحتك فحسب، بل تُقلل من خطر عودة المرض، وتُعزز جودة حياتك بشكل عام.