أمل جديد : حقنة ثورية قد تنهي معاناة فقدان السمع إلى الأبد
لطالما كانت أجهزة السمع شريان حياة لملايين البشر حول العالم، تمكّنهم من التواصل والبقاء على إتصال بمحيطهم.
ومع ذلك، لا تعمل هذه الأجهزة على إستعادة السمع، بل تقتصر وظيفتها على تضخيم الأصوات. ورغم التطور المستمر في تصميماتها، لا يزال العديد من مستخدميها يعانون من “وصمة عار” إجتماعية مرتبطة بإرتدائها. ولكن الآن، يبدو أن هناك بصيص أمل جديد قد يغير هذا الواقع تمامًا.
تجربة سريرية رائدة في بريطانيا : حقنة لإنهاء الصمم
في تطور علمي غير مسبوق، تشهد بريطانيا حاليًا تجربة سريرية هي الأولى من نوعها عالميًا، تختبر علاجًا جديدًا رائدًا قد يلغي الحاجة إلى أجهزة السمع تمامًا لدى بعض الأشخاص .. حقنة ثورية قد تنهي معاناة فقدان السمع .
يعتمد هذا العلاج المبتكر على حقن خلايا جذعية مُستنبتة في المختبر داخل الأذن المتضررة. الهدف من هذه الخلايا هو أن تنمو لتصبح خلايا عصبية سمعية جديدة وسليمة، قادرة على نقل الأصوات من الأذن الداخلية إلى الدماغ
لتحل محل الخلايا التالفة بشكل لا رجعة فيه بسبب الشيخوخة، أو الجينات المعيبة، أو العدوى مثل الحصبة والنكاف. والجدير بالذكر أنه لا يوجد حاليًا أي علاج لهذا النوع من تلف الأعصاب.
نتائج مبشرة على الحيوانات وبداية التجارب البشرية
لم تكن فكرة هذا العلاج وليدة اللحظة، بل سبقتها سنوات من البحث والتجارب. في الإختبارات التي أجريت على الحيوانات، لم تُثبت حقنة الخلايا الجذعية أنها آمنة فحسب، بل أظهرت أيضًا تحسنًا ملحوظًا في السمع.
بناءً على هذه النتائج الواعدة، حصلت الشركة المطورة للحقنة، “رينري ثيرابيوتكس” (Reneary Therapeutics)، وهي شركة ناشئة من جامعة شيفيلد، على الضوء الأخضر لتجربة العلاج على 20 مريضًا يعانون من فقدان سمع شديد. يأتي هذا الإجراء بهدف معرفة ما إذا كانت النتائج نفسها ممكنة على البشر.
تأمل الشركة المطورة أن تتمكن جرعة واحدة من حقنة الخلايا الجذعية، المسماة “رانسل 1” (Rincell-1)، من عكس فقدان السمع تمامًا لدى الأشخاص المصابين بالصمم بسبب تلف أعصابهم السمعية.
من المقرر أن تجرى هذه التجربة السريرية في ثلاثة مواقع تابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS): مستشفيات جامعة برمنغهام، ومستشفيات جامعة كامبريدج، ومؤسستي جايز وسانت توماس.
سيتم تقديم علاج الخلايا الجذعية تحت التخدير العام للمرضى العشرين الذين يعانون من الصمم الشديد أثناء خضوعهم لجراحة زراعة قوقعة.
سر العملية : الخلايا العصبية الأذنية
يكمن سر نجاح هذه العملية في نوع الخلايا الجذعية المستخدمة. تسمى هذه الخلايا الخلايا العصبية الأذنية (otic neural progenitor cells)، وهي على بعد مرحلة نمو واحدة فقط من أن تصبح خلايا عصبية سمعية ناضجة تمامًا.
بمجرد دخولها الأذن الداخلية، تقفز هذه الخلايا إلى مرحلة النضج النهائي لتصبح خلايا عاملة وناضجة تمامًا.
يوضح دوغ هارتلي، كبير المسؤولين الطبيين في شركة “رينري ثيرابيوتكس” وأستاذ طب الأذن بجامعة نوتنغهام: “لقد قررت بالفعل أن تصبح خلايا عصبية سمعية. نحقنها في الفراغ الصغير بين الأذن الداخلية والدماغ، وتُظهر الإختبارات أنها تبقى في مكانها، والأهم من ذلك، أنها لا تتحول إلى أي نوع آخر من الخلايا.”
وأضاف: “هذا مهم، إذ إن أحد المخاوف طويلة الأمد بشأن جميع علاجات الخلايا الجذعية، لأي حالة، هو ما إذا كانت الخلايا المحقونة يمكن أن تتحول إلى خلايا سرطانية، إذ لديها القدرة على التحول إلى أي نوع من الخلايا، بما في ذلك – نظريًا – الخلايا السرطانية.”
آفاق مستقبلية وتحديات محتملة
من المتوقع أن تظهر النتائج الأولية لهذه التجربة في عام 2027. إذا سارت الأمور على ما يرام، يمكن إستخدام هذا العلاج على المرضى الذين يعانون من فقدان سمع خفيف إلى متوسط مرتبط بالعمر والذين لا يحتاجون إلى زراعة قوقعة.
يصف كيفن مونرو، أستاذ السمع في جامعة مانشستر، هذا التطور بأنه “أمر مثير”. ويضيف: “أجهزة السمع وزراعة القوقعة مفيدة، ولكنك لا تزال تعاني من الكثير من الضوضاء في الخلفية، وهي ليست دائمًا فعالة. وإذا نجحت هذه التقنية، فمن الممكن أن تُحدث نقلة نوعية في حياة آلاف الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع نتيجة تلف الأعصاب.”
ومع ذلك، حذّر مونرو من أنه لا توجد حاليًا طريقة سهلة لتحديد ما إذا كان صمم الشخص ناتجًا عن تلف الأعصاب أو تدمير الخلايا الشعرية في القوقعة. وليس من المضمون أن يؤدي إصلاح تلف الأعصاب إلى تحسين السمع.
ويتفق البروفيسور نيش ميهتا، إستشاري جراحة الأذن والأنف والحنجرة في مستشفيات جامعة كلية لندن، على أن هذا العلاج “واعد للغاية”.
وقال ميهتا لمجلة “غود هيلث” : “أظهرت الإختبارات التي أجريت على الفئران أن الدماغ بعد العلاج كان يستقبل المعلومات الصوتية، بينما لم يكن يستقبلها من قبل.”
لكنه يحذر من وجود مخاطر مرتبطة بذلك، إذ يمكن أن يؤدي فتح الأذن الداخلية لحقن الخلايا الجذعية، أو زرع قوقعة صناعية، إلى تدمير خلايا الشعر السليمة المتبقية، مما يلحق الضرر بأي سمع “طبيعي” متبقٍ لدى المريض. ويضيف: “يفقد حوالي ثلث الأشخاص الذين يخضعون لزراعة قوقعة صناعية كل ما تبقى لديهم من سمع.”
على الرغم من التحديات والمخاطر المحتملة، فإن هذه الحقنة الثورية تمثل بصيص أمل كبيرًا لملايين الأشخاص حول العالم الذين يعانون من فقدان السمع، وقد تكون الخطوة الأولى نحو عالم يودع فيه الصمم نهائيًا.














