ما هي الحساسية الغذائية: رد فعل مناعي يهدد الصحة
الحساسية الغذائية: هي رد فعل مناعي مفرط وغير طبيعي يحدث عندما يتعرف جهاز المناعة في الجسم على بروتين معين في الطعام على أنه مادة ضارة، حتى لو كان هذا البروتين غير مؤذٍ لمعظم الناس. يؤدي هذا التعرف الخاطئ إلى إطلاق الجسم لمجموعة من المواد الكيميائية، مثل الهيستامين، التي تسبب أعراضًا تتراوح بين خفيفة ومميتة. يمكن أن تظهر هذه الأعراض على الجلد (مثل الطفح الجلدي والشرى)، والجهاز الهضمي (مثل الغثيان والقيء والإسهال وآلام البطن)، والجهاز التنفسي (مثل سيلان الأنف والعطس والصفير وصعوبة التنفس)، وفي الحالات الشديدة، يمكن أن تؤدي إلى صدمة الحساسية (التأق)، وهي رد فعل يهدد الحياة ويتطلب تدخلًا طبيًا فوريًا.
لماذا نشهد ارتفاعًا في معدلات الحساسية الغذائية؟
شهدت العقود الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الإصابة بالحساسية الغذائية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الدول المتقدمة. لا يوجد سبب واحد وراء هذا الانتشار المتزايد، بل هي مجموعة من العوامل المتداخلة التي يعتقد الباحثون أنها تساهم في هذه الظاهرة:
فرضية النظافة (Hygiene Hypothesis)
تقترح هذه الفرضية أن البيئات الأكثر نظافة في المجتمعات الحديثة، مع انخفاض التعرض المبكر للجراثيم والكائنات الدقيقة، قد تؤدي إلى ضعف في تطور الجهاز المناعي. ونتيجة لذلك، يصبح الجهاز المناعي أكثر عرضة لمهاجمة مواد غير ضارة مثل البروتينات الغذائية.
التغيرات في النظام الغذائي
أدت العولمة والتغيرات في أنماط الاستهلاك الغذائي إلى زيادة استهلاك بعض الأطعمة التي تعتبر من مسببات الحساسية الشائعة، مثل الفول السوداني والمكسرات والأسماك والمأكولات البحرية. كما أن زيادة الاعتماد على الأطعمة المصنعة قد يكون له دور في ذلك، سواء بسبب المواد المضافة أو طرق المعالجة.
نقص فيتامين د
تشير بعض الدراسات إلى وجود صلة بين نقص مستويات فيتامين د وزيادة خطر الإصابة بالحساسية الغذائية. يلعب فيتامين د دورًا هامًا في تنظيم وظائف الجهاز المناعي، وقد يؤدي نقصه إلى خلل في استجابته للمواد المختلفة.
التغيرات في ميكروبيوم الأمعاء
يشير مصطلح ميكروبيوم الأمعاء إلى المجتمع المعقد من الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في أمعائنا. تلعب هذه الكائنات دورًا هامًا في تطوير الجهاز المناعي وتنظيمه. يعتقد الباحثون أن التغيرات في تكوين ميكروبيوم الأمعاء، نتيجة عوامل مثل استخدام المضادات الحيوية والنظام الغذائي الغربي، قد تساهم في زيادة خطر الحساسية الغذائية.
عوامل وراثية وبيئية
تلعب الوراثة دورًا في قابلية الفرد للإصابة بالحساسية الغذائية، فوجود تاريخ عائلي للحساسية يزيد من خطر الإصابة بها. بالإضافة إلى ذلك، قد تساهم بعض العوامل البيئية، مثل التعرض للملوثات في المراحل المبكرة من الحياة، في زيادة هذا الخطر.
تأخير إدخال الأطعمة المسببة للحساسية
كانت التوصيات الطبية السابقة تقترح تأخير إدخال الأطعمة التي يُحتمل أن تسبب الحساسية إلى النظام الغذائي للرضع. ومع ذلك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الإدخال المبكر لهذه الأطعمة، في عمر حوالي 4-6 أشهر، قد يساعد في تقليل خطر الإصابة بالحساسية.
في الختام، فإن الانتشار المتزايد للحساسية الغذائية يمثل تحديًا صحيًا عالميًا. فهم العوامل المعقدة التي تساهم في هذه الظاهرة أمر بالغ الأهمية لتطوير استراتيجيات فعالة للوقاية والتشخيص والعلاج. بينما لا يزال البحث مستمرًا لكشف جميع الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع، فإن الوعي بهذه الحالة واتخاذ الاحتياطات اللازمة يلعب دورًا حيويًا في حماية الأفراد المعرضين للخطر.