عندما تتحول الأشياء إلى سجن لا يُرى..اضطراب الاكتناز القهري

الصحة والجمال

استمع الي المقالة
0:00

اضطراب الاكتناز القهري: عندما تتحول الأشياء إلى سجن لا يُرى

 

يُعد الاحتفاظ ببعض الأشياء القديمة التي تُذكرنا بذكريات عزيزة أمرًا طبيعيًا لدى معظم الناس. ولكن، عندما يتحول هذا السلوك إلى عدم القدرة على التخلص من أي شيء، مهما كانت قيمته، حتى وإن أدى ذلك إلى جعل المنزل غير صالح للعيش، فإننا نكون أمام حالة نفسية مُعقدة تُعرف بـ اضطراب الاكتناز القهري (Hoarding Disorder). هذه الحالة ليست مجرد فوضى أو عادة سيئة، بل هي مرض يُؤثر بشكل عميق على حياة الأفراد وسلامتهم، ويتطلب فهمًا ودعمًا متخصصين. تُقدم هذه المقالة نظرة شاملة على طبيعة هذا الاضطراب، أسبابه، وعلاماته، وكيفية التعامل معه.


 

ما هو اضطراب الاكتناز القهري؟

 

يُصنف اضطراب الاكتناز القهري كحالة صحية نفسية مستقلة، تُشير إلى صعوبة مُستمرة ومُفرطة في التخلص من المقتنيات أو التخلي عنها، بغض النظر عن قيمتها الفعلية. هذه الصعوبة تُرجع إلى:

  • شعور قوي بالحاجة إلى إنقاذ الأشياء: يُعتقد الشخص المُصاب أن هذه الأشياء لها قيمة فريدة، سواء كانت عاطفية، جمالية، أو حتى عملية قد تُستخدم في المستقبل.
  • ضيق وألم عاطفي شديد: تُرافق فكرة التخلص من أي شيء شعور بالقلق، والخوف، والألم العاطفي، مما يجعل التخلي عن الأشياء أمرًا مستحيلًا.

تُؤدي هذه الصعوبة إلى تراكم فوضى عارمة في المنزل، مما يُعيق استخدام المساحات المخصصة للمعيشة، مثل المطابخ، وغرف النوم، والحمامات.


 

الاكتناز ليس مجرد فوضى: الفرق الجوهري

 

من المهم التمييز بين الفوضى العادية واضطراب الاكتناز القهري.

  • الفوضى العادية: يُمكن للشخص المصاب بالفوضى أن يُنظم أو يُنظف منزله إذا أراد. الفوضى لديه لا تُعيق استخدام المساحات الأساسية للمعيشة.
  • الاكتناز القهري: يجد الشخص صعوبة هائلة في التخلص من الأشياء، مما يُسبب له ضيقًا عاطفيًا كبيرًا. تتراكم الأشياء بشكل عشوائي، مما يجعل المنزل خطيرًا وغير صالح للعيش.

 

الأسباب والتداعيات: لماذا يحدث وماذا ينتج عنه؟

 

لا يُوجد سبب واحد للاكتناز القهري، ولكنه يُعتقد أنه ناتج عن مزيج من العوامل الجينية، العصبية، والبيئية. كما تُشير الدراسات إلى أن الاضطراب غالبًا ما يُصاحب حالات نفسية أخرى مثل اضطراب الوسواس القهري (OCD)، اضطرابات القلق، والاكتئاب.

أما تداعيات الاكتناز القهري، فهي تتجاوز الفوضى وتُؤثر على جوانب الحياة بشكل خطير:

  • المخاطر الصحية والبيئية: تُؤدي الفوضى إلى بيئة غير صحية، حيث تُتراكم الأتربة، وتُصبح الأماكن مرتعًا للآفات والحشرات. كما أن تراكم الأشياء يزيد من خطر الحرائق وإغلاق مسارات الخروج.
  • العزلة الاجتماعية: يُعاني الشخص المصاب من شعور بالخجل والإحراج، مما يجعله يُتجنب استضافة الأصدقاء أو العائلة، ويُؤدي إلى عزلة اجتماعية.
  • تدهور العلاقات الأسرية: يُسبب الاضطراب توترًا كبيرًا في العلاقات الأسرية، حيث يُشعر أفراد العائلة بالإحباط من عدم قدرتهم على مساعدة المريض.
  • الضيق النفسي: يُعاني الشخص من شعور دائم بالخوف، والقلق، والإحباط، والاكتئاب بسبب عجزه عن التحكم في وضعه.

 

هل يوجد علاج؟ الأمل في التعافي

 

يُعد اضطراب الاكتناز القهري حالة قابلة للعلاج، ولكنها تتطلب تدخلًا متخصصًا وصبرًا طويلًا.

  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يُعتبر هذا العلاج هو الخيار الأول والأكثر فعالية. فهو يُساعد المريض على فهم الأسباب وراء رغبته في الاحتفاظ بالأشياء، ويُعلمه استراتيجيات للتحكم في هذه الرغبة، واتخاذ قرارات التخلص من الأشياء تدريجيًا.
  • الدعم الاجتماعي: يُلعب دور العائلة والأصدقاء دورًا حيويًا في مساعدة المريض على التعافي، من خلال توفير بيئة داعمة وغير مُحكمة.
  • الأدوية: في بعض الحالات، قد يُصف الطبيب أدوية مُضادة للاكتئاب أو القلق للمساعدة في السيطرة على الأعراض المصاحبة للاضطراب.

 

خاتمة

 

اضطراب الاكتناز القهري ليس سلوكًا غريبًا يجب الحكم عليه، بل هو مرض يُحتاج إلى تفهم ومعالجة. من خلال الوعي بطبيعته، وأعراضه، ومخاطره، يُمكننا مساعدة المصابين على طلب المساعدة، وتُمكنهم من استعادة السيطرة على حياتهم ومنازلهم، وتحرير أنفسهم من “سجن الأشياء” الذي يُشيدونه بأنفسهم.