علماء يكتشفون العلاقة المذهلة بين بكتيريا الأمعاء والدماغ..الحاسة السادسة في أمعائك

الصحة والجمال

استمع الي المقالة
0:00

الحاسة السادسة في أمعائك: علماء يكتشفون العلاقة المذهلة بين بكتيريا الأمعاء والدماغ

 

لطالما كان الاعتقاد السائد أن الدماغ هو القائد الأوحد للجسم، المتحكم في كل وظائفه، بما في ذلك عواطفنا وقراراتنا. ولكن الأبحاث العلمية الحديثة تُقدم صورة أكثر تعقيدًا وإثارة للاهتمام. فقد تمكن العلماء من الكشف عن علاقة مباشرة بين بكتيريا الأمعاء (ميكروبيوم الأمعاء) والدماغ، تُشير إلى أن “حاسة سادسة” قد تكون موجودة في معدتنا. هذا الاكتشاف الثوري يُلقي الضوء على كيفية تأثير عالمنا الداخلي المجهري على صحتنا النفسية والعقلية، ويُمهد الطريق لعلاجات جديدة لأمراض مثل القلق والاكتئاب.


 

محور الأمعاء-الدماغ: قناة اتصال حيوية

 

يُعرف العلماء الآن أن هناك قناة اتصال ثنائية الاتجاه تُعرف بـ “محور الأمعاء-الدماغ” (Gut-Brain Axis). هذا المحور هو شبكة معقدة من المسارات العصبية، الهرمونات، والناقلات العصبية التي تُتيح للأمعاء والدماغ التواصل بشكل مستمر.

  • العصب الحائر (Vagus Nerve): يُعد العصب الحائر هو خط الاتصال الرئيسي بين الأمعاء والدماغ. ينقل هذا العصب المعلومات من الأمعاء إلى الدماغ والعكس، مما يُؤثر على الحالة المزاجية، الاستجابة للتوتر، وحتى الذاكرة.
  • الناقلات العصبية والهرمونات: تُنتج بكتيريا الأمعاء العديد من المركبات الكيميائية، بما في ذلك الناقلات العصبية مثل السيروتونين، الذي يُعرف بـ”هرمون السعادة”. تُشير التقديرات إلى أن حوالي 95% من سيروتونين الجسم يُنتج في الأمعاء.

 

كيف تُؤثر بكتيريا الأمعاء على دماغك؟

 

تُظهر الأبحاث أن تكوين ميكروبيوم الأمعاء له تأثير مباشر على صحة الدماغ ووظائفه.

  1. صناعة الناقلات العصبية: تُنتج بعض أنواع البكتيريا النافعة في الأمعاء مركبات تُؤثر على الناقلات العصبية. على سبيل المثال، تُنتج بكتيريا اللاكتوباسيلس والبيفيدوباكتيريوم الناقل العصبي GABA، الذي له تأثير مُهدئ ويُقلل من القلق.
  2. تنظيم الاستجابة للتوتر: يُمكن أن تُؤثر بكتيريا الأمعاء على استجابة الجسم للتوتر من خلال تنظيم محور HPA (المحور الوطائي-النخامي-الكظري). عندما يكون ميكروبيوم الأمعاء صحيًا ومتنوعًا، فإنه يُمكن أن يُقلل من مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر)، مما يُساعد على تهدئة الجسم والعقل.
  3. تحسين الذاكرة والتعلم: تُشير بعض الدراسات التي أُجريت على الفئران إلى أن تغيير تركيبة ميكروبيوم الأمعاء يُمكن أن يُؤثر على وظائف الدماغ المعرفية. فالفئران التي لديها ميكروبيوم صحي أظهرت قدرات أفضل في الذاكرة والتعلم.
  4. التأثير على الأمراض العصبية: تُشير أبحاث متزايدة إلى وجود علاقة بين خلل ميكروبيوم الأمعاء وأمراض عصبية مثل التوحد، مرض باركنسون، وربما حتى مرض الزهايمر.

 

تطبيقات عملية: كيف تُحسن من ميكروبيوم أمعائك؟

 

إذا كانت بكتيريا أمعائك تُؤثر على صحتك العقلية، فكيف يُمكنك تحسينها؟

  1. تناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك:
    • الأهمية: البروبيوتيك هي بكتيريا حية ونافعة تُعزز من صحة الأمعاء.
    • أمثلة: الزبادي الطبيعي، الكفير، المخللات المخمرة طبيعيًا، وبعض أنواع الجبن.
  2. تناول الأطعمة الغنية بالبريبيوتيك:
    • الأهمية: البريبيوتيك هي ألياف غير قابلة للهضم تُستخدم كغذاء للبكتيريا النافعة.
    • أمثلة: الثوم، البصل، الهليون، الموز، والشوفان.
  3. الحد من السكر والأطعمة المصنعة: تُشير الأبحاث إلى أن الأطعمة المصنعة والسكر المفرط يُمكن أن تُغير من توازن ميكروبيوم الأمعاء، وتُشجع على نمو البكتيريا الضارة.
  4. التعامل مع التوتر: تُؤثر مستويات التوتر المرتفعة سلبًا على ميكروبيوم الأمعاء. ممارسة اليوجا، التأمل، أو التنفس العميق يُمكن أن تُساعد على تهدئة عقلك وأمعائك.

 

خاتمة: عقل صحي يبدأ من أمعاء صحية

 

يُمثل اكتشاف العلاقة بين بكتيريا الأمعاء والدماغ نقطة تحول حاسمة في فهمنا للصحة. إنها تُقدم دليلًا علميًا على أن ما نأكله لا يُؤثر على أجسادنا فحسب، بل على عقولنا أيضًا. إن الاهتمام بميكروبيوم أمعائنا ليس مجرد موضة صحية، بل هو استثمار في صحتنا العقلية والنفسية. فليكن هذا الاكتشاف دافعًا لنا لتقدير “حاستنا السادسة” في أمعائنا، والسعي نحو تحقيق التوازن الداخلي من أجل حياة أكثر صحة وسعادة.