الطلاق.. نهايةٌ أم بداية؟
لطالما كانت كلمة «طلاق» ثقيلة على الآذان والقلوب، وتستحضرها أغلب العقول كرمزٍ للفشل في العلاقة والزواج والحب أو كنهايةٍ أليمةٍ لشكلٍ كان جميلًا.
والحقيقة أن «الطلاق» قد يكون طاقةً تُفتح في حائط مظلم ليستحضر نورًا جديدًا يستعيد به الرجل أو المرأة التوازن النفسي والاجتماعي، فما أسوأ أن يعيش الإنسان حياته مقترنًا بآخر لا يفهمه ولا يحبه ولا ينسجم معه عقلًا وقلبًا.
وقد علمنا النبي ﷺ أن: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، فى حديث أخرجه أبوداود وابن ماجه.
والحديث الشريف يُلخِّص فلسفة ونظرة الإسلام الى الطلاق؛ فهو ليس مُحرَّمًا ولا ممنوعًا ولكنه أبغض الحلال، فقد يهدم بيتًا قام على المودة والرحمة، ومع ذلك شرَّعه الخالق إذا استحالت العشرة وتحولت الحياة الى نزاعٍ دائم، وفي هذا رحمة للزوجين، وفيه أيضًا منحَ فرصةٍ جديدةٍ للخلاص من أي ضرر نفسي أو جسدي قد يحل بأيٍّ منهما. والفلسفة الإلهية هنا في تحليل الطلاق، أن استمرار العلاقة الميتة ليس فضيلة، بينما الفراق المنظم قد يكون بداية جديدة أكثر رحمة.
وتخبرنا الإحصاءات بشيوع الطلاق بدرجةٍ كبيرة، تصل في بعض الدول الغربية إلى 40-50% من مجمل الزيجات. وفي عالمنا العربي تتصدر الكويت النسبة بـ48%، وفى مصر تدور النسبة بين 35-40%، حيث أشارت سجلات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء في 2023 إلى أكثر من 265 ألف حالة طلاق مقابل 961 ألف حالة زواج في نفس العام.
وكل هذه الأرقام تؤكد واقعية وانتشار الطلاق، لا سيما في المجتمعات العربية، ما يحتم فهم أسبابه الحقيقية وتداعياته المجتمعية، بعيدًا عن الأحكام المسبقة.
ولعل أكثر أسباب الطلاق شيوعًا يكمن في سوء الاختيار منذ البداية، بسبب التسرع أو غياب النضج أو تجاهل الفروق الجوهرية أو إغماض العين عن العلامات التي تدل على وجود مشكلة ما مختبئة ويتعمد الطرف الآخر إخفاءها.
ومن الأسباب أيضًا؛ الخداع والخيانة واختفاء المصداقية في التعاملات، حيث يتعمد أحد أطراف الزيجة أن يخفي جوانب أساسية من شخصيته أو حياته أو تصرفاته ومشاكله.
وقد نجد من الأسباب أيضًا، الضغوط الإقتصادية التي تُضعف القدرة على الصبر والتفاهم، وهناك التدخل المفرط للأهل، أو تراكم الخلافات دون حوار جاد يوقفها. وأحيانًا قد يكون مجرد غياب التوافق النفسي والعاطفي هو السبب رغم سلامة النوايا.
تاريخيًا، عانت المرأة المطلقة- أكثر من الرجل- في المجتمعات العربية من نظرة قاسية، حيث يربط المجتمع طلاقها- وبشكلٍ مباشر- بالاتهام والشكوك والتهميش.، ولكن الواقع تغير الى حدٍ كبير، فشيوع الطلاق وانتشار تعليم وعمل المرأة جعل صورة المرأة المطلقة أكثر طبيعية واعتيادًا، حيث نجد اليوم الكثير من النساء تتحدثن عن طلاقهن بوصفه نقطة تحول إيجابية غيرت حياتهن 360 درجة، وساعدتهن في اكتشاف الذات بعيدًا عن سيطرة الرجل.
نعم، فالكثيرات من المطلقات ترين أن الطلاق بالنسبة لهن كان تجربة قاسية و لكنها صقلت شخصياتهن وجعلتهن أكثر صلابة وخبرة، ومنحتهن القوة في اتخاذ القرارات الصعبة، واستقلالًا أكبر في العمل والحياة الاجتماعية. وليس هذا كل شيء، بل إن خبرتهن من الزيجة الأولى جعلتهن أكثر وعيًا وحرصًا وانتقاءً فى الزيجة الثانية.
وعلى الرغم من الكم الإيجابي الذي يمكن أن تستخلصه المرأة المطلقة من طلاقها، وكذلك الرجل، إلا أنه ليس من العقل أن يتم الطلاق في لحظة غضب وعُجالة ، كونه فى خطورته وآثاره مساوٍ لقرار الزواج، لذلك يجب أن يسبقه تفكير عميق وهدوء ومحاولات صادقة للإصلاح والوساطة. والأهم من ذلك أن يكون قرارًا منصفًا وبعيدًا عن روح الظلم أو الانتقام أو الكراهية، مع مراعاة كل طرف لحق الطرف الآخر وكرامته وإنسانيته.
وحالما أتى قرار الطلاق وبحكمة وهدوء وفي الوقت المناسب، فلا بد أن يكون بابًا جديدًا لحياةٍ أفضل، لا نهايةً لها. وقد يفتح لكلٍ من الرجل والمرأة فرصًا للنمو والتجديد وإعادة صياغة الأحلام الشخصية بعيدًا عن العلاقات العقيمة
إذًا، فالطلاق ليس بمأساةٍ ولا وصمة عار، بل قد يكون المعبر نحو حياةٍ أكثر رحابة وإنصافًا للنفس.
قد يكون الطلاق نهاية مؤلمة، ولكن من الممكن أن نجعله بدايةً ممكنة، ذلك حين يؤخذ القرار بحكمة ويُنفَّذ بالعدل وبشريعة الله.
من العقل أن يُحوِّل الإنسان- بإرادةٍ صلبه- آلامه وأحزانه إلى طاقة من الأمل والبناء وغدٍ أفضل.













