بعد الطلقة الثالثة .. شرط “الدخول الثاني” يحدد مصير الزوجة

إسلاميات

استمع الي المقالة
0:00

بعد الطلقة الثالثة .. شرط “الدخول الثاني” يحدد مصير الزوجة

تُعد قضايا الطلاق وما يترتب عليها من أحكام شرعية من الأمور التي تثير الكثير من التساؤلات في المجتمع.

وقد ورد سؤال مهم إلى فضيلة الدكتور عطية لاشين، أستاذ الشريعة وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، من سيدة تعرضت لطلاق بائن بينونة كبرى، ثم تزوجت من رجل آخر وطلقها قبل الدخول بها، وتتساءل عما إذا كانت تحل لزوجها الأول.

هذا السؤال يفتح الباب للحديث عن أحكام الطلاق الرجعي والبائن، والشروط الواجب توافرها لعودة الزوجة لزوجها الأول بعد الطلقة الثالثة.

أنواع الطلاق : الرجعي والبائن

للتعرف على حكم هذه المسألة، لا بد من فهم أنواع الطلاق المختلفة

الطلاق الرجعي : يحدث هذا النوع من الطلاق بعد الدخول بالزوجة ويكون للمرة الأولى أو الثانية.

في هذه الحالة، إذا كانت العدة باقية ولم تنقض بعد، يحق للزوج أن يراجع زوجته بالقول أو بالفعل دون الحاجة إلى عقد ومهر جديدين.

الطلاق البائن : ينقسم الطلاق البائن إلى قسمين : البينونة الصغرى والبينونة الكبرى.

ما يهمنا هنا هو الطلاق البائن بينونة كبرى، وهو الذي يقع بعد الطلقة الثالثة. إذا وصل الطلاق لهذا العدد، فلا تحل الزوجة لمطلقها الأول إلا بشروط محددة.

شروط عودة المطلقة بائنًا بينونة كبرى لزوجها الأول

يوضح الدكتور عطية لاشين أن عودة الزوجة التي طُلقت ثلاث تطليقات (طلاق بائن بينونة كبرى) إلى زوجها الأول، تتطلب تحقيق عدة شروط أساسية

الزواج من رجل آخر بنية الديمومة : يجب أن تتزوج المرأة من رجل آخر زواجًا شرعيًا مستوفيًا جميع الشروط والأركان، وأن يكون هذا الزواج بنية الديمومة والإستقرار وليس زواج تحليل (أي ليس بقصد أن تحل لزوجها الأول).

الدخول الحقيقي بالزوج الثاني : الشرط الأهم هو أن يدخل الزوج الثاني بزوجته دخولًا حقيقيًا ويتحقق فيه الوطء. فإذا تم العقد فقط ولم يتم الدخول، أو طلقها قبل الدخول، فلا تحل لزوجها الأول.

إنتهاء العدة من الزوج الثاني : بعد أن يدخل الزوج الثاني بها ويطلقها (بإرادته ودون تدخل من الزوج الأول)، يجب أن تنتهي عدتها من هذا الطلاق الثاني. حينئذ، يصبح طريق عودتها لزوجها الأول ممهدًا، وذلك بعقد ومهر جديدين.

الأدلة الشرعية على شرط الدخول

يستند هذا الحكم إلى أدلة قاطعة من السنة النبوية الشريفة

الدليل الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرجل الذي يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها، هل ترجع إلى الأول؟

فقال صلى الله عليه وسلم: “لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها“. والعسيلة هنا كناية عن الجماع والدخول الحقيقي.

الدليل الثاني : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثًا، فتزوجها بعده رجل آخر ثم طلقها قبل أن يدخل بها الأول؟

فقال صلى الله عليه وسلم: “حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته“. وهذا يؤكد على ضرورة حصول الدخول من الزوج الثاني.

الدليل الثالث : روى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: “دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن رفاعة طلقني البتة (أي ثلاثًا) وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني وإنما عنده مثل الهدبة (وأخذت هدبة من جلبابها تصف قلة قدرته على الجماع).

وخالد إبن سعيد إبن العاص بالباب لم يؤذن له فقال : يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به بين يدي رسول الله؟

فما زاد الرسول صلى الله عليه وسلم عن التبسم ثم قال: “كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك“. هذا الحديث يوضح بشكل جلي أن مجرد العقد لا يكفي، بل لا بد من الدخول الحقيقي.

الخلاصة والحكم في واقعة السؤال

بناءً على ما تقدم من أحكام وأدلة، فإن السيدة التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات، ثم تزوجت من آخر وطلقها هذا الأخير قبل الدخول بها، لا تحل لزوجها الأول.

والسبب في ذلك هو عدم تحقق شرط “ذوق العسيلة” أو الدخول الحقيقي من الزوج الثاني، وهو الشرط الذي نصت عليه الأحاديث النبوية الشريفة بشكل واضح.

والله أعلم.