الدهون الثلاثية مقابل الكوليسترول..فهم الفروق الجوهرية لِصحة قلبك

الصحة والجمال

استمع الي المقالة
0:00

الدهون الثلاثية مقابل الكوليسترول: هل هما نفس الشيء؟ فهم الفروق الجوهرية لِصحة قلبك!

 

في عالم الصحة والطب، تُصبح المصطلحات المُتشابهة أحيانًا مصدرًا لِلتشويش، خاصًة عندما يتعلق الأمر بِصحة القلب والأوعية الدموية. فِكثيرًا ما تُذكر مفاهيم مثل “ارتفاع الدهون الثلاثية” وِ”ارتفاع الكوليسترول” في سياق واحد، مما يُوحي لِكثيرين بَأنهما مُترادفان. ورغم أن كلاهما من أنواع الدهون (الدهون) الموجودة في الدم، وِكلاهما يُمكن أن يُزيد من خطر الإصابة بَأمراض القلب، إلا أنهما يُمثلان جزيئين مُختلفين بَوظائف مُتميزة، ويُمكن أن تُشير مُستوياتهما المرتفعة إلى مُشكلات صحية مُتباينة قليلًا، وتتطلب أحيانًا طرقًا مُختلفة لِلتدخل والعلاج. إن فهم الفروق الجوهرية بَين هذين النوعين من الدهون يُعد خطوة حاسمة نحو إدارة صحة قلبك بَشكل أكثر فعالية.

دعنا نتعمق في تعريف كل منهما، نفصل أدوارهما في الجسم، نُوضح أسباب ارتفاع كل منهما، ونُقدم دليلًا شاملًا لِطرق العلاج والوقاية، لِتُصبح قادرًا على فهم تقارير الفحص الطبي بَشكل أفضل وِاتخاذ قرارات صحية مُستنيرة.


 

1. ما هو الكوليسترول؟ البناء الضروري ولكن بِحذر!

 

الكوليسترول (Cholesterol) هو مادة شمعية شبيهة بالدهون، تُصنع في الكبد بَشكل رئيسي، ويُمكن الحصول عليها أيضًا من بعض الأطعمة ذات المصدر الحيواني (مثل اللحوم، البيض، ومنتجات الألبان كاملة الدسم). على عكس الاعتقاد الشائع، الكوليسترول ليس كله ضارًا. إنه ضروري لِعدة وظائف حيوية في الجسم:

  • بناء الخلايا: يُعد مُكونًا أساسيًا لِجدران الخلايا.
  • إنتاج الهرمونات: ضروري لِصناعة هرمونات الستيرويد (مثل الاستروجين، التستوستيرون، الكورتيزول).
  • إنتاج فيتامين د: يُلعب دورًا في تخليق فيتامين د.
  • هضم الدهون: يُساهم في إنتاج العصارة الصفراوية، الضرورية لِامتصاص وهضم الدهون.

أنواع الكوليسترول (البروتينات الدهنية):

الكوليسترول لا يسير في الدم بَمُفرده، بل يرتبط بَبروتينات لِتكوين جسيمات تُسمى البروتينات الدهنية (Lipoproteins). أهم نوعين هما:

  • البروتين الدهني مُنخفض الكثافة (LDL – Low-Density Lipoprotein): يُعرف بَـ “الكوليسترول الضار“. يُنقل الكوليسترول من الكبد إلى خلايا الجسم. عندما تكون مُستوياته مُرتفعة، يُمكن أن يتراكم في جدران الشرايين، مُكونًا لويحات تُسبب تصلب الشرايين (Atherosclerosis)، مما يُؤدي إلى تضييق الشرايين وزيادة خطر الإصابة بَأمراض القلب والنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
  • البروتين الدهني عالي الكثافة (HDL – High-Density Lipoprotein): يُعرف بَـ “الكوليسترول الجيد“. يُنقل الكوليسترول الزائد من الأنسجة والأوعية الدموية إلى الكبد لِلتخلص منه. تُساهم المستويات المرتفعة من HDL في حماية القلب.
  • الكوليسترول الكلي: هو مجموع LDL، HDL، وِجزء من الدهون الثلاثية.

 

2. ما هي الدهون الثلاثية؟ خزان الطاقة الزائد والمُشكلة الخفية!

 

الدهون الثلاثية (Triglycerides) هي النوع الأكثر شيوعًا من الدهون الموجودة في الجسم. إنها تُشكل خزان الطاقة الرئيسي في الجسم.

  • كيف تتكون؟ عندما تُستهلك سعرات حرارية أكثر مما يحتاجه الجسم (خاصًة من الكربوهيدرات والدهون)، يُحول الجسم هذه السعرات الحرارية الزائدة إلى دهون ثلاثية، تُخزن في الخلايا الدهنية.
  • وظيفتها: تُطلق الدهون الثلاثية لِتُوفر الطاقة للجسم بَين الوجبات.
  • المشكلة: المستويات المُرتفعة جدًا من الدهون الثلاثية في الدم (Hypertriglyceridemia) تُزيد بَشكل مُباشر من خطر الإصابة بَأمراض القلب والأوعية الدموية، وأيضًا تُزيد من خطر الإصابة بَالتهاب البنكرياس (Pancreatitis) في الحالات الشديدة جدًا.

 

3. الفروق الجوهرية: الكوليسترول مُقابل الدهون الثلاثية

 

الميزة الكوليسترول الدهون الثلاثية
التركيب مادة شمعية شبيهة بالدهون (ستيرويد) دهون (دهون بسيطة) تتكون من ثلاث سلاسل أحماض دهنية وغليسرول
الوظيفة بناء الخلايا، إنتاج الهرمونات، فيتامين د، هضم الدهون تخزين الطاقة الرئيسية في الجسم
المصدر يُصنع في الكبد ويُوجد في الأطعمة الحيوانية يُصنع من السعرات الحرارية الزائدة ويُوجد في معظم الدهون الغذائية
الخطر عند الارتفاع تصلب الشرايين، أمراض القلب، السكتة الدماغية أمراض القلب، السكتة الدماغية، التهاب البنكرياس (في المستويات العالية جدًا)
الارتباط بَـ غالبًا ما يُرتبط بالدهون المُشبعة والدهون المُتحولة غالبًا ما يُرتبط بَالكربوهيدرات المُكررة والسكر والكحول

 

4. أسباب ارتفاع كل منهما: عوامل مُختلفة ولكن مُتداخلة

 

على الرغم من اختلاف التركيب والوظيفة، إلا أن هناك العديد من العوامل التي تُساهم في ارتفاع كل من الكوليسترول والدهون الثلاثية، مع وجود بعض الاختلافات:

  • أسباب ارتفاع الكوليسترول (خاصًة LDL):
    • النظام الغذائي: استهلاك مُفرط للدهون المُشبعة (في اللحوم الحمراء، الدواجن بَجلدها، مُنتجات الألبان كاملة الدسم، الزيوت الاستوائية مثل زيت جوز الهند وزيت النخيل) والدهون المُتحولة (في الأطعمة المُصنعة، المخبوزات، الوجبات السريعة).
    • قلة النشاط البدني.
    • السمنة وزيادة الوزن.
    • التدخين.
    • الوراثة: تاريخ عائلي لارتفاع الكوليسترول.
    • بعض الأمراض: مثل قصور الغدة الدرقية، أمراض الكلى، السكري.
  • أسباب ارتفاع الدهون الثلاثية:
    • النظام الغذائي: استهلاك مُفرط لِلسعرات الحرارية، خاصًة من الكربوهيدرات المُكررة (مثل الخبز الأبيض، الأرز الأبيض، المعكرونة، الحلويات)، السكريات المُضافة (المشروبات الغازية، العصائر المُحلاة)، وِالكحول.
    • السمنة وزيادة الوزن: خاصًة دهون البطن.
    • قلة النشاط البدني.
    • السكري غير المُتحكم فيه جيدًا.
    • مُقاومة الأنسولين أو مُتلازمة التمثيل الغذائي (Metabolic Syndrome).
    • بعض الأدوية: مثل مُدرات البول، حاصرات بيتا، الكورتيكوستيرويدات.
    • الوراثة.
    • أمراض الكلى أو الكبد.

 

5. التشخيص والعلاج والوقاية: نهج شامل لِصحة القلب

 

يُعد تشخيص ارتفاع الدهون والكوليسترول بسيطًا بَواسطة فحص دم يُسمى ملف الدهون (Lipid Panel)، والذي يتطلب صيامًا مُسبقًا.

  • المُستويات الطبيعية (إرشادية وقد تختلف قليلاً):
    • الكوليسترول الكلي: أقل من 200 ملجم/ديسيلتر.
    • LDL: أقل من 100 ملجم/ديسيلتر (أقل من 70 لِلمُعرضين للخطر).
    • HDL: 60 ملجم/ديسيلتر أو أعلى (أقل من 40 يُعتبر عامل خطر).
    • الدهون الثلاثية: أقل من 150 ملجم/ديسيلتر.
  • طرق العلاج والوقاية (تغييرات نمط الحياة هي الأساس!):
    • أ. النظام الغذائي الصحي:
      • لخفض الكوليسترول: قلل من الدهون المُشبعة والدهون المُتحولة. زد من الألياف القابلة للذوبان (في الشوفان، التفاح، البقوليات)، والدهون الأحادية غير المُشبعة (زيت الزيتون، الأفوكادو، المكسرات) وِالدهون المُتعددة غير المُشبعة (الأسماك الدهنية مثل السلمون، بذور الكتان).
      • لخفض الدهون الثلاثية: قلل بَشكل كبير من السكريات المُضافة، الكربوهيدرات المُكررة، وِالكحول. ركز على الحبوب الكاملة، البروتينات الخالية من الدهون، والخضراوات.
      • بشكل عام: نظام غذائي مُتوازن غني بالفواكه، الخضراوات، الحبوب الكاملة، والبروتينات النباتية والحيوانية الخالية من الدهون.
    • ب. النشاط البدني المُنتظم:
      • مارس 150 دقيقة على الأقل من التمارين الهوائية مُعتدلة الشدة أسبوعيًا. يُساعد النشاط البدني على رفع مُستويات HDL وِخفض LDL والدهون الثلاثية.
    • ج. إدارة الوزن:
      • فقدان الوزن الزائد، خاصًة دهون البطن، يُحسن بَشكل كبير من مُستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية وحساسية الأنسولين.
    • د. الإقلاع عن التدخين:
      • يُحسن مُستويات HDL ويُقلل من تلف الأوعية الدموية.
    • هـ. الحد من تناول الكحول:
      • الكحول يُمكن أن يزيد بَشكل كبير من مُستويات الدهون الثلاثية.
    • و. الأدوية (عند الضرورة):
      • إذا لم تُفلح تغييرات نمط الحياة، قد يصف الطبيب أدوية لِخفض الدهون:
        • الستاتينات (Statins): لِخفض LDL الكوليسترول بشكل أساسي.
        • الفايبرات (Fibrates): لِخفض الدهون الثلاثية بَشكل أساسي.
        • أحماض أوميغا 3 الدهنية المُوصوفة: لِخفض الدهون الثلاثية.
        • أدوية أُخرى مثل النياسين وِمثبطات امتصاص الكوليسترول.
    • ز. التحكم في الأمراض الكامنة:
      • إذا كان لديك سكري، قصور الغدة الدرقية، أو أي حالة أُخرى، فِالتحكم الجيد بها سيُساهم في إدارة مُستويات الدهون.

 

الخلاصة: كل دهن له قصته.. وفهمها يحمي قلبك!

 

إن فهم الفروق بَين الدهون الثلاثية والكوليسترول ليس مُجرد تفصيل علمي، بل هو معرفة حيوية تُمكنك من اتخاذ قرارات مُستنيرة بَشأن صحتك. فِعلى الرغم من أن كلاهما يُشكل خطرًا على القلب عند ارتفاعه، إلا أن مصادر ارتفاعهما وآليات تأثيرهما، وبالتالي أساليب العلاج والوقاية، تُمكن أن تختلف. الأهم هو التركيز على نمط حياة صحي شامل: نظام غذائي مُتوازن، نشاط بدني مُنتظم، إدارة للوزن، وِالابتعاد عن العادات الضارة. بَذلك، يُمكنك التحكم بَفعالية في مُستويات دهونك، وتحمي قلبك وشرايينك لِتعيش حياة أطول وأكثر صحة.