المضادات الحيوية: الحاجة للضوابط التشريعية والوعي العام
تحذير مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة والوقاية، الدكتور محمد عوض تاج الدين، من خطورة الاستخدام غير المنضبط للمضادات الحيوية يضع مسؤولية كبيرة على عاتق الجهات التشريعية والصحية والمجتمع ككل. لا يمكن الاكتفاء بزيادة الوعي الفردي فحسب، بل يجب تطبيق ضوابط صارمة للحد من هذه الأزمة الصحية المتفاقمة.
ضرورة التشريع والرقابة الصيدلية
أشار د. تاج الدين في تصريحاته إلى أن بعض الدول تبيع المضادات الحيوية “بالوحدة” (بالحبة) وليس “بالعلبة”، وهذا نموذج يُبرز مستوى الانضباط المطلوب. للسيطرة على الاستخدام العشوائي، يجب تفعيل عدة محاور رقابية:
-
البيع بوصفة طبية فقط (Prescription Only): يجب تفعيل القوانين التي تمنع الصيدليات من صرف أي مضاد حيوي دون وجود وصفة طبية حديثة ومختومة من طبيب بشري أو أسنان معتمد. هذه الخطوة تقلل بشكل كبير من “الوصف الذاتي” من قبل المرضى أو الصيدلي.
-
الجرعات المحددة: يجب أن يقتصر الصرف على العدد المحدد من الأقراص أو الجرعات اللازمة لإنهاء دورة العلاج كاملة، بدلاً من بيع العلبة بأكملها، مما يمنع الاحتفاظ ببقايا الدواء واستخدامها لاحقاً بشكل عشوائي.
-
الحملات التثقيفية المستمرة: يجب أن تتبنى وزارات الصحة وهيئات الدواء حملات توعية مكثفة، ليس فقط للمرضى ولكن أيضاً للعاملين في القطاع الصحي (الأطباء والصيادلة) حول أحدث الإرشادات الخاصة بوصف المضادات الحيوية.
المسؤولية الفردية للطبيب والمريض
المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الدولة والصيدليات، بل هي مسؤولية مشتركة بين الطبيب والمريض:
-
دور الطبيب المعالج: يجب على الأطباء التوقف عن وصف المضادات الحيوية كـ “إجراء وقائي” أو “لإرضاء المريض”. يجب الاعتماد على التشخيص الدقيق، وفي الحالات التي يكون فيها التشخيص غير واضح، قد يُفضل الانتظار ومتابعة الأعراض، أو إجراء اختبارات سريعة لتحديد ما إذا كانت العدوى فيروسية أم بكتيرية قبل الوصف.
-
دور المريض والوعي: يجب على المريض أن يدرك أن الضغط على الطبيب لوصف مضاد حيوي لمرض فيروسي هو تصرف ضار. كما يجب التأكيد على أهمية الالتزام الكامل بمدة العلاج حتى لو اختفت الأعراض، لضمان القضاء على جميع البكتيريا ومنع تكون سلالات مقاومة.
إن التحدي الذي طرحه د. محمد عوض تاج الدين هو في الأساس دعوة لإعادة تقييم العلاقة بين الإنسان والدواء، والاعتراف بأن المضادات الحيوية هي ملكية عامة للبشرية، والحفاظ على فعاليتها يمثل واجباً أخلاقياً ووطنياً. إن التهاون في استخدامها اليوم يعني دفع الثمن غالياً في المستقبل بظهور “الجراثيم الخارقة” التي لا يمكن علاجها.














