رامز جلال.. أسقط الحائط الرابع

إيفينت

استمع الي المقالة
0:00

رامز جلال.. أسقط الحائط الرابع.

كتب : طارق الشناوي

في المسرح هناك مقولة شهيرة (بريخت أسقط الحائط الرابع)، وبرتولت بريشت (بريخت) هو كاتب وناقد وشاعر ومخرج مسرح ألماني قامت نظريته على كسر الحاجز الوهمي بين الجمهور والممثلين، والمقصود بالحاجز هو أن الممثل يقف على المسرح متخيلاً وجود جدار يفصله عن الناس.

وجاء بريخت ليحطم هذا الجدار، وهو ما فعله طوال شهر رمضان وعلى مدى يتجاوز عشر سنوات، وأكمله هذا العام، رامز جلال، حيث شاهدنا بعض الفنانين وعدد من الشخصيات العامة في برنامج (رامز موفي ستار) على حقيقتهم وبلا رتوش أو مكياج.

كما أن الجمهور العربي تابع في العديد من البرامج تفاصيل حياة الفنانين التي تنشرها (الميديا)، يسعى بعضهم لإمداد الصحافة والفضائيات ببعض منها ظناً منه أن هذا يؤدي إلى زيادة مساحة الاهتمام والشغف الجماهيري، تغير الزمن الذي كان يحرص فيه الفنان، أن يظل بعيداً عن الجمهور، الناس لا تتعامل معه كحالة إنسانية بشرية يحب ويكره وينجب ويتزوج ويطلق، لكنهم يفضلونه كائناً أسطورياً وليس فقط مثالياً، تلك كانت فيما يبدو هي صورة الماضي.

عدد من الفنانين وكبار الإعلاميين بين الحين والآخر باتت خطتهم لكسب ود الجماهير تتلخص في العمل على شيوع أخبار تؤكد الجانب الخيري المعطاء، خاصة أن تلك الانطباعات المبدئية تلعب دوراً إيجابياً عند دائرة واسعة من الجماهير، لديها (ترمومتر) خاص للفنان تحدد بعده درجة الحب، كما أنه بين الحين والآخر ينشر صورة له بملابس الإحرام. لو عدنا للزمن الماضي الذي نطلق عليه دائما تعبير (زمن الفن الجميل).

وإن كنت أرى أن كل زمن به الجمال والقبح، ولا يمكن أن يصبح فقط لدينا زمن يحتكر الجمال وآخر هو عنوان القبح، في الزمن الماضي كان هناك غطاءً لا يمكن اختراقه يغلف حياة المشاهير، ويحرص الفنان على ترسيخه، وبقدر المستطاع كانت الأبواب مؤصدة.

روت لي الإذاعية الكبيرة الراحلة آمال فهمي حكاية لها مع أم كلثوم مر عليها الآن قرابة 70 عاماً. كان أغلب المذيعين الذين ينقلون للجمهور حفلات (الست) على الهواء عبر أثير الإذاعة، يقدمون كلمات الأغنية ويتحدثون قليلاً عن المؤلف والملحن ثم تأتي لهم الفرصة بين الوصلتين لوصف فستان أم كلثوم، ولا أحد منهم يتجاوز أكثر من ذلك، إلا أن آمال فهمي، غلبتها الحاسة الإعلامية.

وقررت أن تبحث عن الجديد الذي من الممكن أن تقوله للمستمعين، وعلى طريقة أرشميدس هتفت (وجدتها وجدتها)، وكانت ضالتها المنشودة أنها استغلت علاقتها بسعدية وصيفة أم كلثوم، وعرفت منها ماذا أكلت سيدة الغناء العربي قبل الحفل في وجبة الغذاء، وقبل أن تفاجئ آمال الجمهور بهذا السبق الإذاعي، قررت أن تفاجئ بها أم كلثوم في الاستراحة.

وقبل رفع الستار بلحظات قالت لها (أنا عرفت أنت أكلت إيه قبل الحفل) ردت عليها بكل ثقة (لا أحد يعرف يا شاطرة ماذا أكلت أم كلثوم) فاجأتها بقولها (ربع دجاجة وكوب عصير برتقال ورغيف خبز أسمر وطبق أرز وآخر سلطة)، وهاجت وماجت أم كلثوم بعد أن افتضح سرها فهي تأكل وتشرب مثلنا، ولم تستطع المذيعة أمام فيضان الغضب من إذاعة سبقها على الناس.

واكتفت بأن وصفت مثل الآخرين للمستمعين فقط لون الفستان، وفي الاستراحة الثانية استدعتها أم كلثوم إلى غرفتها في كواليس المسرح، وقالت لها إنها كانت تعتقد وهي صغيرة أن كبار الفنانين أقرب إلى الأساطير، عندما يعلم الناس ماذا أكلت وكأنها تنقل أم كلثوم من السماء في لحظات إلى الأرض.

تابع الآن كثرة الظهور البرامجي والجرأة في الإعلان عن تفاصيل حياة النجوم المادية والعاطفية والشخصية، ربما تحقق لهم تلك البرامج أموالاً تدفعها الفضائيات مقابل إشهار الأسرار، إلا أنها على الجانب الآخر تخصم الكثير من الألق الشخصي للفنان.

لا أوافق قطعاً على أن يبتعد الفنان عن الناس، وكأنه كائن أسطوري، فلقد قلصت (الميديا) تلك المسافات بين الفنان والجمهور، لكن أيضاً أرى أن مثل هذه البرامج، يجب أن تضبط فيها الجرعة، يتم تقنين درجات البوح لا تحطم الصورة الذهنية، وتبقى على شيء من (الحائط الرابع)!.