قصة فيلا شيكوريل
إنه سولومون شيكوريل، صاحب الحظ التعس في كل ما بنته يداه من فيلات، هو الابن الأكبر للمغامر الإيطالي مورنيو شيكوريل، الذي هاجر إلى مصر قادمًا من تركيا العام 1887والذي اشتهر في مصر عندما أصبح عميد اليهود المصريين في القاهرة العام 1946، بعد الثري اليهودي رينيه قطاوي.
وبعد أن كوّن وبمساعدة أولاده الثلاثة سليمان ويوسف وسالفاتور، إمبراطورية تجارية تحمل علامة الأسرة واسم عميدها، وهي سلسلة محلات (شيكوريل)، من أفخم المحلات في القاهرة، التي ارتبطت بالعائلة الملكية والعائلات الأرستقراطية في مصر، في النصف الأول من القرن العشرين، وبرأس مال 500.000 جنيه مصري، وكان يعمل بها 485 موظفاً أجنبياً و142 موظفاً مصرياً.
مثل كل شيء رائع وجميل يتوارى أمام أعيننا عاجزين عن إيقاف طوفان القبح الذي كاد يغمرنا ويغرق تراثنا وهويتنا المعمارية والحضارية، بعد أن تساقطت منذ أعوام الأحجار الباقية لفيلا الثري اليهودي الشهير شيكوريل، بمنطقة الرمل بمدينة الإسكندرية في مصر.
وتهاوى الباب الأمامي للفيلا، والذي تُزينه حليات معمارية إيطالية رائعة، تعود إلى أوائل القرن الماضي، مترنحًا من ضربات معاول الهدم الكئيبة، والتي صمدت أمامها الفيلا لسنوات، ببهائها المعماري الذي يرجع إلى فن الأرت ديكو الفرنسي الشهير، الذي كان سائداً في النصف الأول من القرن العشرين، ويتميز بالبساطة في التعبير، واستخدام الزخارف والحليات الهندسية والنباتية الأنيقة المبسطة.
فعلى مدى الثلاث سنوات الماضية، كانت هناك محاولات مستميتة من جانب مقاول لم يكترث لأهمية هذا الإرث المعماري الذي لا يقدر بثمن، لهدم الفيلا، ليبني على أنقاضها الحزينة، مولًا تجاريًا، بعد أن اشتراها في غفلة من الزمن الجميل من الشركة العربية للملاحة البحرية التابعة لجامعة الدول العربية ومؤسساتها.
لكن يقظة الجيران أوقفت الهدم، وأنقذت الفيلا التي تمثل إحدى الدرر المعمارية النفيسة، حيث يرجع تاريخ إنشائها إلى عشرينيات القرن الماضي، وقام بتصميمها 3 من أشهر المعماريون الفرنسيين، ليون أزيمان وجاك هاردي وجورج بارك، حيث كان الأخير لديه مكتب هندسي في القاهرة.
وقد جاؤوا إلى مصر بسبب طرح مسابقة لتصميم المحاكم المختلطة( دار القضاء العالي)، وبالفعل فازوا فيها العام 1925، وبدأوا العمل في الإسكندرية، من خلال التعامل مع الكونت فرديناند دبانة، وقاموا ببناء مجموعة من أهم المباني، أشهرها مدرسة (سان مارك) على غرار المدارس البريطانية.
وسقطت فيلا الخواجة شيكوريل في نفق الإهمال والعبث بالمباني الأثرية، حينما جاءت قوانين التأميم في الخمسينيات والستينيات، وأممتها، ونزعت ملكيتها من أبناء الخواجة، لتصبح ملكًا للدولة المصرية.
وفي السبعينيات، كانت مقرًا تابعًا لرئاسة الجمهورية، بل إن الرئيس الأسبق حسني مبارك كان مقيمًا بها أثناء أحداث يناير 1977، أو انتفاضة الخبز.
لتأتي الضربة القاسية لهذه الفيلا البديعة، من قرار صادر من كمال الجنزوري، رئيس الوزراء الأسبق، بإخراجها من قوائم التراث، ورفعها من قائمة المباني الأثرية بالمدينة، وبالتالي لا يوجد ما يحول دون هدمها، بعد الحصول على التراخيص اللازمة.
وعلى الرغم من المحاولات المستميتة لكل عشاق التحف المعمارية السكندرية، من وقفات احتجاجية لعدة أيام، بواسطة المعماريين والمهتمين بالتراث والتي نجحت في بادئ الأمر، إلا أن يد الفساد والقبح انتصرت، لتأتي كلمة النهاية وينطوي الفصل الأخير من سيرة فيلات (شيكوريل)، وحكاياتها العجيبة والتي بدأت بمقتله وظهور شبحه، وانتهت بهدم فيلته.
أما شبح الخواجة اليهودي سولومون شيكوريل، والذي يظهر في فيلته بشارع سيريلانكا بمنطقة الزمالك بالقاهرة، فحكايته تبدأ منتصف العام 1927، وتقع أحداثها في فيلا الخواجة، والتي كان يسكنها مع زوجته وبناته، وكان سليمان مشهورًا بطيبة قلبه وتعامله الودود مع الجميع، ويوم مقتله فوجئ سكان منطقة الزمالك بهذا الخبر، حيث قتل على يد بعض اللصوص الذين اقتحموا بيته، وقاموا بتخديره في حجرة نومه، وعندما قاومهم، طعنوه إحدى عشرة طعنة أردته قتيلاً.
لم يجرؤ أحد بعد وفاة الخواجة سولومون شيكوريل، على الاقتراب من تلك الفيلا، والسكن بها أو المرور بجوارها، لتظل مغلقة قرابة الثلاثين عامًا. إلى أن اشتراها والد الفنان الراحل عزت أبو عوف الذي كان يعيش فيها هو وعائلته، ونظرًا لعلاقة عائلة أبو عوف الوطيدة بالفنانين في الوسط الفني كانوا يحلون ضيوفا عليهم، إلا أن ما رأوه في الفيلا جعلهم يبتعدون نهائيًا عن الذهاب والتردد على هذه الفيلا.
تروي الفنانة يسرا عن حكايتها مع فيلا أبو عوف المسكونة بالعفاريت، إنها في إحدى الليالي تقول: معزومة في فيلا صديقتها مها أبو عوف، وبعد أن تناولنا العشاء، امتدت بنا السهرة فأصرت مها على أن أكمل الليلة معها، وبالفعل ارتديت التريننج ودخلنا معًا إلى حجرة نومها، وهات يا حكايات لحد ما حسينا إننا عايزين ننام.
تُكمل يسرا حديثها: فجأة بدأت أسمع صوت خطوات خارج الحجرة، حسيت إحساس رهيب بالخوف لأني كنت عارفة إن مفيش حد في الفيلا غيري أنا وهي، كان الصوت أشبه بجندي في عرض عسكري، فقررت أصحي مها لاقيتها بتقولي ماتخافيش نامي وبعدين بكره أحكي لك ده شبح ساكن الفيلا من زمان، وتعودنا عليه.
لم يكذب أبو عوف الرواية، وروى أيضًا حكايته مع شبح الفيلا قائلًا: منذ سنوات طويلة بدأ يظهر مع دخول الليل، كنا صغيران وكنا نشعر بالخوف ونجري ندخل أوضنا، الشبح كان يظهر واضحًا كهالة نور على شكل إنسان عجوز ممسك بمصباح يضئ له ظلام طرقات وممرات الفيلا.
وهو يتجول ليلًا، وحينما طالبنا أبى بأن يبحث لنا عن مكان آخر للسكن، على الرغم من جمال وروعة الفيلا التي نسكنها ويحسدنا عليها الناس بدأ أبى رحمه الله يبحث أولًا عن حكاية الفيلا والشبح الذي بدأ يعكنن علينا عيشتنا.
يضيف أبو عوف عن حكاية شبح الفيلا: والدي ذهب للرجل الذي ابتاع منه الفيلا، وسأله عن حكاية الشبح، وأكد له الرجل أنه شبح هادئ، ولا يؤذى أحدًا، ولا يظهر في الفيلا إلا بعد أن ينام أصحابها فإذا أضاءوا أي نور في الفيلا اختفى فورًا.
هذه الفيلا كان يمتلكها رجل الأعمال المعروف شيكوريل، صاحب المحال الشهيرة الموجودة حتى الآن وتحمل اسمه، لكنه تعرض لحادث قتل داخل الفيلا، التي ظلت غير مأهولة حتى اشتراها والدي وقال أبو عوف أن علاقة ارتباط شديد حصلت بين الأسرة وبين الفيلا، وتعايشت مع الواقع وأصبح الشبح ضمن أفراد الأسرة تقريبًا.