حلال علي أمريكا .. حرام علي مصر !!
العاملون بمنظومة الضرائب في مصر، يواجهون عبئا ثقيلا، كي يحققوا المستهدف تحصيله كل عام، مع تحقيق عدالة ضريبية تشمل الجميع.
أطرح هذا الموضوع للمناقشة، في أعقاب ما أثير مؤخرا حول تحصيل الضرائب ممن يطلقون عليهم “اليوتيوبرز والبلوجرز” الذين يقدمون مصنفاتهم من خلال وسائط التواصل الإجتماعي، ويحققون أرباحا تصل بالنسبة لفئة منهم إلي الملايين.
لا توجد الضرائب الجديدة التي فرضت عليهم، لكنها ضرائب فرضت منذ سنوات طويلة، ولم تكن مصلحة الضرائب تطالبهم بسدادها.
إرتفع صوت هؤلاء الذين لم يسددوا الضرائب المستحقة عليهم منذ سنوات ! .
الغريب أن هؤلاء لم ينطقوا بكلمة واحدة، حين قررت ” اليوتيوب ” خصم ٥% من المستحق لهم ، لتوريدها للخزانة الأمريكية.
وكأن فرض الضرائب حلال علي أمريكا حرام علي مصر !!
قضية ” اليوتيوبرز و البلوجرز “قضية هامشية لكني بدأت بها لأنها أثيرت في الأسابيع الماضية، وأبطالها شخصيات معروفة للملايين.
قضية الضرائب التي يجب أن تناقش، هي قضية العدالة الضريبية، التي يجب أن تطبق علي الجميع.
قد تدهشون إذا عرفتم أن ٤٥% فقط من أنشطة الإقتصاد تسدد الضرائب المستحقة عليها، بينما ٥٥% من الأنشطة الإقتصادية لا علاقة لها بمصلحة الضرائب ولا تدفع جنيها واحدا للدوله، في نفس الوقت الذي تستفيد فيه من كل الخدمات، تماما مثل من يلتزمون بدفع الضرائب المستحقة عليهم.
وهذا يتنافي مع العدالة. المفروض أن يؤدي كل مواطن الضرائب المستحقة عليه، عند تحقيقه حداً معينا من الأرباح.
لماذا تفرض الدولة ضرائب علي ال أرباح. سؤال بالتأكيد تعرف إجابته.
الضرائب هي المورد الرئيسي لأي دولة للإنفاق علي الخدمات والمشروعات وغيرها.
تعالوا نلقي نظرة علي ميزانية مصر عن العام المالي الحالي.
تبلغ الميزانية ١.٨ تريليون جنيه، والإيرادات المتوقعة ١.٣٦٥ تريليون جنيه، وهي أكبر ميزانية في تاريخ مصر ، كما ذكر الدكتور محمد معيط وزير المالية.
هذه الميزانية للإنفاق علي الآف المشروعات، كثير منها مشروعات عملاقة، مثل مشروع النهوض بالريف الذي يتكلف وحده ٧٠٠ مليار جنيه علي مدي ثلاث سنوات.
هذه الميزانية الضخمة تحقق إنجازات غير مسبوقة، في مسيرة البناء والتنمية، إيمانا بإطلاق الجمهورية الجديدة، التي ترتكز علي تيسير سبل العيش الكريم للمواطنين وتحسين مستوي الخدمات، بتعزيز أوجه الأنفاق علي الإستثمارات التنموية، وتوسيع شبكة الحماية الإجتماعية والتركيز علي بناء الإنسان بإعطاء أولوية متقدمة لقطاعي التعليم والصحة.
الأرقام تقول أنه تم تخصيص ٣٥٨.١ مليار جنيه لضمان تحسين الخدمات للمواطنين. وتخصيص٣٢١ مليار جنيه لتقديم الدعم للمواطنين، منها ٨٧.٢ مليار جنيه لدعم السلع التموينية و١٩ مليار جنيه للمعاشات وبرنامج تكافل وكرامة بتقديم دعم نقدي لأكثر من٣.٦ مليون أسرة من الأسر الأقل دخلا و ٧ مليارات جنيه للعلاج علي نفقة الدولة ومد مظلة التأمين الصحي لعدد من المحافظات. كما بلغت ميزانية التعليم ٣٨٨مليار جنيه ، والصحة ٢٧٥.٦ مليار جنيه.
وتهدف الميزانية أيضا إلي ضخ إستثمارات ضخمة لتحريك الإقتصاد، بخطي متسارعة، من خلال دفع عجلة الإستثمار والتشغيل، خاصة تلك المتعلقة بتطوير البنية الأساسية والنهوض بقطاعات التنمية البشرية الأجتماعية.
كل هذا يتحقق في نفس الوقت الذي نجحت فيه مصر في محاصرة وباء كرونا، وتوفير اللقاحات بالمجان للمواطنين.
السؤال الآن.. كيف توفر الدولة الأموال اللازمة لتحقيق هذه الخطة الطموحة؟
الإجابة ببساطة تقول أن معظمها يأتي من الضرائب.
الدوله تستهدف أن تحقق من الضرائب هذا العام حوالي ٩٨٣ مليار جنيه، تغطي الجانب الأكبر من النفقات. أما الباقي فمصدره جهات أخري داخل الدولة مثل قناة السويس ، والجزء الآخر عن طريق الإقتراض بشروط ميسرة ، وعلي آجال طويلة. الإقتراض هنا ليس للإستهلاك، لكنه لتنفيذ مشروعات عملاقة وناجحه، تدر في المستقبل القريب دخلا إضافيا للميزانية المصرية.
نلاحظ الإقبال العالمي علي تغطية القروض التي تحتاجها مصر وذلك لسببين، أولهما متانة الإقتصاد المصري التي أشادت بها المنظمات العالمية، وفي مقدمتها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. والثاني أنه لم يحدث ولو مرة واحدة أن تأخرت مصر في سداد هذه الديون أو فوائدها.
نعود للحديث عن العدالة الضريبية، وكيف نضمن حصول الدولة علي الضرائب المستحقة من الذين لايدفعون ضرائب وفي نفس الوقت يحققون قدرا من الأرباح تستحق أن يدفعوا عنها ضرائب.
عندي إقتراح أطرحة علي خبراء الضرائب، قد يكون مدخلا لتحقيق العدالة الضريبية، والحصول علي حق الدولة من حوالي ٥٥% ممن لا يدفعون ضرائب الآن. إنه مجرد إقتراح قد يجد فيه الخبراء أساسا يمكن تنفيذه وييسر ويحقق العدالة الضريبية.
أقترح أن يكون لكل مواطن، في سن معينة رقما ضريبيا، مثل الرقم القومي. لا يعني هذا أن يكون كل مواطن ملزم بدفع ضريبه، لكنه ملزم بفتح ملف ضريبي.
وفي حالة عدم تحقيقه أرباح تستحق الضرائب ، فإنه يتجه الي مأمورية الضرائب مره كل سنتين أو ثلاثه ، ويخطرهم بأنه لم يحقق ضرائب تستحق ضرائب.
أما إذا حقق أرباحا فأنه يقر بها ويقدم مستنداته.
هكذا يكون لكل مواطن ملف ضريبي ، ويدفع الضرائب من يحققون حدا معينا من الأرباح.
وحتي يؤتي هذا النظام مردوده ، يمكن أن تقدم لكل مواطن ملتزم بهذا لنظام، شهادة تفيد أنه قدم أقراره الضريبي، سواء دفع ضرائب أم لم يدفع. هذه الشهادة.
من الضروري أن يقدمها المواطن أذا أراد أن يتعامل مع أي جهه حكومية، أو يريد إدخال إبنه المدرسه ، أو يستفيد من الخدمات الصحية وغيرها قد تكون الفكرة مفيدة.
وقد تكون هناك أفكار أخري أجدي. المهم أن نصل إلي حل يضمن أن يؤدي الضرائب كل مواطن حقق قدرا محددا من الأرباح.
والله الموفق.