تشوهات الأجنة
كتب : دكتور هيثم بدران
في الحقيقة يُعتقد أنَّ سبب حدوث معظم تشوُّهات الجنين أو العيوب الخَلقية يعود إلى مجموعة من العوامل المعقدة بما فيها الجينات، وعوامل بيئيَّة وأخرى سلوكيَّة، ففي بعض الحالات يكون سبب التشوُّه معروفاً، أما معظم حالات التشوُّه فإنَّه يُجهل سبب حدوثها.
وفي الحقيقة يمكن أن تنجب المرأة طفلاً مصاباً بالتشوُّه دون امتلاكها أيّاً من عوامل الخطر التي تسبِّب ذلك، وهذا يعني أنَّ وجود عامل أو أكثر من عوامل خطر الإصابة بالتشوُّهات لا يعني بالضرورة ولادة طفل مشوَّه، لذلك ينبغي مراجعة الطبيب لاستشارته حول ما يمكن فعله للتقليل من خطر حدوث التشوُّهات لدى الجنين.
تحتوي كلُّ خليَّة من خلايا جسم الإنسان علي 46 كروموسوماً، إذ يحمل كلُّ كروموسوم آلافاً من الجينات التي يحتوي كلٌّ منها على تعليمات تتحكَّم في وظيفة أو تطوُّر جزء معيَّن من الجسم، وعليه يمكن القول إنَّ وجود عدد أقل أو أكثر من الكروموسومات يؤثِّر في جزء معيَّن من الجسم، إذ سيحصل هذا الجزء على معلومات ناقصة تتعلَّق بوظيفته وتطوُّره.
لذلك من الضروري وجود العدد الكامل من الكروموسومات حتى يتسنَّى لجميع أعضاء الجسم التطوُّر والعمل بشكلٍ صحيح، وبمعنى آخر يمكن القول إنَّ وجود أيِّ عيب أو تشوُّه في أحد الجينات يؤدِّي إلى ظهور تشوُّه في العضو المقابل له، وتجدر الإشارة إلى أنَّ التشوُّهات قد تؤثِّر في جين واحد أو أكثر، وهذا ما يفسِّر ظهور العديد من التشوُّهات الخلقيَّة عند الولادة.
المواد المسببة للتشوهات: تُعرَّف المواد المسبِّبة للتشوُّهات على أنَّها أيَّة مادة يمكن أن تزيد من خطر حدوث التشوُّهات، إذ يعتمد حدوث التشوُّهات لدى الجنين على وقت تعرُّض الحامل للمادة ومدَّة تعرُّضها وكميَّة المادة التي تعرَّضت لها، كما أنَّ المادة المسبِّبة للتشوُّه غالباً ما تؤثِّر في العضو الذي ينمو ويتطوَّر بشكلٍ سريع لدى الجنين في فترة التعرُّض للمادة.
فقد تتعرَّض الحامل لإحدى هذه المواد أثناء تطوُّر أجزاء من دماغ الجنين، بالتالي فإنَّ هذه الأجزاء هي الأكثر عرضة للإصابة بالتشوُّه أكثر من غيرها حين التعرُّض للمادة قبل أو بعد هذه الفترة الحرجة، ومن الجيِّد ذكره أنَّ معظم الحوامل اللواتي تعرَّضن لهذه المواد ينجبن أطفالاً أصحاء.
ويُعدُّ كلٌّ من الإصابة بالعدوى والتعرُّض للإشعاعات واستخدام الأدوية من العوامل المسبِّبة لمعظم التشوُّهات عند التعرُّض لها خلال الفترة الواقعة بين الأسبوع الثاني والعاشر بعد حدوث الحمل، إذ قد تكون المرأة غير مدركة أنَّها حامل لعدَّة أسابيع.
وقد يتعرَّض الجنين خلال هذه الفترة للأشعَّة السينيَّة أو للأدوية أو المخدِّرات أو الكحول دون معرفة الأم بذلك، إذ إنَّ التعرُّض للإشعاعات خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل يؤدِّي إلى حدوث العديد من التشوُّهات، أما تعرُّض الجنين للكحول فيؤدِّي إلى حدوث متلازمة الجنين الكحولي والتي تتمثَّل بحدوث اضطراب عقلي نمائي لدى الجنين.
بالإضافة إلى التهيُّج وفرط الحركة وصعوبات في التعلُّم وضعف في تناسق الحركات وظهور تشوُّهات في ملامح الوجه.
إصابة المرأة بالعدوى الفيروسية بالأخص في الفترة الأولى من الحمل قد يؤدي إلى حدوث تشوهات بالجنين، من أشهر الأسباب هي الإصابة بفيروس الحصبة الألمانية والذي له تأثير شديد على الجنين، لذلك نهيب بكل السيدات التأكد من تلقي التطعيم الخاص به مع تجنب حدوث الحمل لمدة 3 أشهر.
ومن المواد المسبِّبة للتشوُّهات الجنينيَّة أيضاً التدخين، إذ إنَّ التعرُّض للتدخين السلبي يسبِّب الضرر والأذى للجنين، كما أنَّ الأم المدخِّنة تنجب أطفالاً ذوي وزن منخفض عند الولادة.
أما بالنسبة للأدوية، فهناك العديد من الأدوية والمواد المخدِّرة التي يمكن أن تسبِّب تشوُّهات لدى الجنين، وتكمن خطورة هذه الأدوية عند استخدامها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
الوزن: إنَّ المرأة التي تعاني انخفاضاً في الوزن بشكلٍ أقل من المستوى الطبيعي معرَّضة لإنجاب أطفال ذوي أوزان منخفضة عند الولادة، كما أنَّ المرأة التي تعاني السمنة أو زيادة الوزن من الممكن أن تكون معرَّضة للإصابة بحالات صحيَّة، مثل: السكَّري وارتفاع ضغط الدم.
النظام الغذائي يعتبر عدم الحصول على كميَّات كافية من حمض الفوليك في أثناء الحمل وقبل حدوثه من العوامل الرئيسيَّة للإصابة بتشوهات بالأنبوبة العصبية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ بعض أنواع الأسماك، مثل سمك القرش وسمك الماكريل وسمك السيف قد تحتوي على كميَّات كبيرة من الزئبق، وهو نوع من أنواع المعادن التي يمكن أن تسبِّب الأمراض لدى الأم أو الأطفال.
إضافة إلى ما سبق يسبِّب نقص عنصر اليود أثناء فترة الحمل في إصابة الأم بقصور في الغدَّة الدرقيَّة، ممَّا يؤدِّي إلى حدوث متلازمة نقص اليود الخلقي أو الكثم لدى الأطفال، وهو قصور شديد في الغدَّة الدرقيَّة لدى الطفل أو الرضيع، وتتمثَّل هذه المتلازمة بمعاناة الطفل من الاضطراب العقلي النمائي، والحثل العظمي، وداء التقزُّم، وانخفاض معدَّل الأيض الأساسي.
عوامل اجتماعية وديموغرافية: يرتبط الانتماء لبعض المجموعات العرقيَّة بزيادة خطر الإصابة بتشوُّهات الجنين، كما يزداد خطر حدوث التشوُّهات لدى الوالدين الذين بينهما صلة قرابة أي ينتمون إلى النسب نفسه، أو يمتلكون تكويناً جينيّاً متشابهاً.
وذلك لزيادة احتماليَّة اشتراكهما بالاختلافات الجينيَّة، ممَّا قد يؤدِّي إلى حدوث تشوُّهات لدى الجنين، لذلك يُنصح بإجراء مسح للجينات لدى هؤلاء الأزواج لتحديد الاضطرابات الوراثيَّة المحتمل حدوثها قبل التفكير في الإنجاب.
وإضافة إلى ذلك يُعدُّ عُمر الأم عاملاً مهمّاً لزيادة خطر حدوث التشوُّهات الجينيَّة، ففي حال كان عُمر الأم يفوق 34 عاماً عادة يزداد خطر حدوث تشوُّهات الجنين.
توجد مجموعة من العوامل الأخرى لحدوث تشوُّهات الجنين، ومنها ما يأتي، عوامل متعلِّقة بالحمل بشكلٍ خاصٍّ، مثل الإصابة بداء الريسوس المتمثل بعدم تناسب أو تطابق دم الأم ودم الطفل.
نصائح للوقاية من تشوهات الجنين: يسعى الباحثون في كلِّ يوم إلى تحديد مسبِّبات التشوُّهات وكيفيَّة الوقاية منها، وفي الحقيقة يمكن زيادة احتماليَّة إنجاب طفل بصحَّة جيِّدة، لكن لا يمكن الوقاية من جميع التشوُّهات لدى الجنين.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هناك العديد من التشوُّهات التي تحدث في وقت مبكِّر جدّاً من الحمل، وأخرى تحدث حتى قبل معرفة المرأة بأنَّها حامل في بعض الأحيان.
ويمكن بيان بعض النصائح للحامل للوقاية من حدوث تشوُّهات لدى الجنين كما يأتي: مراجعة استشاري علم الوراثة في حال إصابة الأم أو الأب أو أحد الأطفال أو أحد أفراد العائلة بتشوُّه خلقي لتحديد مدى الخطر المحدِّق بالطفل.
ولمعرفة التاريخ الصحِّي للعائلة وجيناتها قبل حدوث الحمل. محاولة السيطرة والتحكُّم في الحالات الصحيَّة المزمنة مثل السكَّري، وذلك للسيطرة على الحالة وضبط العلاج وخاصَّة الدواء قبل حدوث الحمل. الحفاظ على وزن صحِّي، وذلك من خلال ممارسة أحد النشاطات اليوميَّة.
وتناول الأطعمة الصحيَّة، إذ يساعد ذلك على الوصول إلى وزن مثالي. زيارة الطبيب بشكل منتظم، والبدء بالعناية الصحيَّة الخاصَّة بالأم بمجرَّد الاعتقاد بحدوث الحمل، واستشارته قبل استخدام أيِّ دواء أو التفكير في استخدامه.
وعدم التوقُّف أو البدء باستخدام أيِّ نوع من أنواع الأدوية قبل استشارة الطبيب، سواءً كانت هذه الأدوية متاحة دون وصفة طبيَّة أو موصوفة، أو كانت مكمِّلات غذائيَّة أو عشبيَّة.
تناول حمض الفوليك يوميّاً، والبدء بتناوله قبل شهر على الأقل من حدوث الحمل، ومن الجدير بالذكر أنَّ حمض الفوليك يتوفَّر في بعض الخضراوات ذات الأوراق الخضراء، والمكسرات، وحبوب الإفطار المدعَّمة، والفواكه الحمضيَّة، والفاصولياء.
البدء بأخذ الفيتامينات الموصوفة من قِبَل الطبيب بشكلٍ يومي أثناء فترة الحمل، إذ إنَّه من الضروري أن تتناول الأم الفيتامينات أثناء فترة الحمل.
وذلك للتأكُّد من حصول الجسم على المواد الغذائيَّة والفيتامينات الضروريَّة التي تحتاجها الأم والجنين. حرص الأم على أخذ قسط كافٍ من الراحة، وممارسة التمارين الرياضيَّة، والاستيقاظ باكراً، والاهتمام بالصحة العامة قبل الولادة بشكلٍ منتظم.
تجنُّب شرب الكحول أو الأدوية المخدِّرة، والامتناع عن التدخين وتجنُّب التدخين السلبي. التأكُّد من عدم إصابة المرأة بأيِّ نوع من أنواع العدوى المنقولة جنسيّاً قبل حدوث الحمل.
تجنُّب التعرُّض للمواد الضارَّة والمؤذية والتي قد تؤذي الجنين، مثل الأشعَّة السينيَّة، ومبيدات الحشرات، ومادة الرصاص.
اتباع نظام غذائي صحِّي متوازن قبل حدوث الحمل وأثنائه، إذ إنَّ ذلك ليس جيِّداً لصحَّة الأم العامَّة فحسب، وإنَّما هو ضروري لتزويد الجنين بالعناصر الغذائيَّة المهمَّة لنموِّه وتطوُّره بشكلٍ صحيح.
وعلى الحامل تجنُّب شرب الحليب غير المبستر، وتناول الأطعمة المصنوعة منه، كما يُنصح بتجنُّب استهلاك الأسماك المحتوية على كميَّات كبيرة من الزئبق أثناء الحمل، مثل سمك القرش.
الوعي بحالات الحمل السابقة والحاليَّة، ففي حال إنجاب طفل مصاب بتشوُّه فمن الضروري البحث عن الأسباب المحتملة لإصابته بذلك، إذ يساعد ذلك على وضع خطَّة للوقاية من التشوُّهات في الحمل التالي.
فعلى سبيل المثال وكما ذكر سابقاً إذا جرى إنجاب طفل مصاب بتشوُّه في الأنبوب العصبي، فإنَّ أخذ جرعات كبيرة من حمض الفوليك يساعد على الوقاية من الإصابة بهذا التشوُّه في المستقبل.
الحصول على اللقاحات لما لها من دور في حماية كلٍّ من الأم والجنين من الأمراض الخطيرة.
نسأل الله السلامة للجميع…