بركاتك.. يا سيدي مسعود!
أشتاق دائماً لزيارة المغرب الشقيق، وأستمتع باللقاء مع أخوة، أشعر أن قلوبهم خضراء نقية، وأنهم يبادلونك المحبة، حتى لو كان هذا لقاءك الأول بهم!
الشعب المغربي يكن محبة خالصة للشعب المصري. وإذا أتيح لك أن توجد في مكان ما بالمغرب وسمعوك تتحدث باللهجة المصرية، التفوا حولك فرحين مرحبين.
وينعكس هذا على الفن المصري، وإن كان المغاربة ما زالوا يتحدثون عن نجوم كانوا ملء السمع والبصر منذ أكثر من خمسين عاماً!
أذكر أنني كنت مع زوجتي – رحمها الله – نستقل سيارة في طريقنا إلى مطار الدار البيضاء.
كنا نتحدث وفجأة توقف السائق لتكون لديه فرصة أكبر ليرانا ويتحدث إلينا. وسط دهشتنا فوجئنا به يقول: أنتم مصريين. أنا سعيد جداً بكم. نحب مصر كثيراً.
وظل دقائق يتحدث وكانت رغبته الوحيدة أن ننقل تحياته إلى إسماعيل ياسين وليلى مراد!
واصلنا رحلتنا إلى مطار الدار البيضاء، ولم يتوقف حديث السائق المغربي الودود. وعند منعطف على الطريق أشار إلى ضريح فوق تلة مرتفعة وقال: هذا ضريح سيدي مسعود. أحد أولياء الله الصالحين.
لا يمر أحد أمامه إلا ويدعو الله أن يحقق له أمنية.
ودائماً تتحقق هذه الأمنيات. ابتسمت زوجتي وبادرت بالدعاء أن يكون لنا حظ زيارة الدار البيضاء مرة ثانية.
وصلنا المطار وركبنا الطائرة التي أقلعت في موعدها المحدد. بعد نحو نصف ساعة سمعنا الطيار يوجه حديثه إلينا بأنه سيهبط في مطار جزائري لأسباب فنية لا تدعو للقلق إطلاقاً، وأنه سيستأنف الرحلة خلال ساعة بإذن الله.
الدقائق التي مرت قبل هبوطنا إلى مطار الجزائر كانت شاقة على الجميع، وكان ملاذنا قراءة آيات بينات من كتاب الله الكريم.
ظللنا في الطائرة بضع دقائق قبل أن يخبرنا الطيار بأنه سيعود إلى مطار الدار البيضاء، لأنه لم يجد قطعة الغيار التي يريدها في مطار الجزائر. طمأننا كثيراً بعدم وجود أي خطر، وإلا ألغي الرحلة، لكنه ملزم وفقاً للقوانين باستبدال قطعة الغيار التي حددتها أجهزه الاستكشاف بالطائرة.
توكلنا على الله. وصلنا المطار ولتجنب إرهاقنا استضافتنا شركه الطيران ليلة في فندق بالدار البيضاء ثم نعود في الصباح إلى المطار لاستكمال رحلتنا.
في طريق الفندق بالدار البيضاء مررنا بضريح سيدي مسعود. التفتت إليه زوجتي مبتسمة ومرددة: دعوت يا سيدي مسعود أن أعود لزيارة الدار البيضاء مستقبلاً، لكني لم أدع أن تتم هذه الزيارة في نفس اليوم!
طفل.. في قصر عابدين!
عشت سنوات طفولتي في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية. تعودت أن أقضي أياماً من إجازة الصيف عند شقيقتي التي تقيم قرب قصر عابدين بالقاهرة، الذي ظل مقراً للحكم في العصر الملكي. لم يكن متاحاً الاقتراب من القصر أو ما يحيط به خلال هذه الفترة، لكن بعد ثورة يوليو أصبح هذا متاحاً ومرحباً به. كنت مع أصدقاء لي في الحي المجاور للقصر نتجمع في أحد أركان ميدان عابدين لنلعب كرة القدم.
كنت ألاحظ طابوراً طويلاً من المواطنين يقف أمام أحد بوابات القصر. لم أهدأ إلا بعد أن سألت وعرفت أن الوافين مواطنين من جميع أرجاء مصر جاءوا من مدنهم وقراهم ليعبروا عن تأييدهم لثورة يوليو ١٩٥٢، والإعراب عن ذلك بتسجيل أسمائهم في سجل التشريفات بقصر عابدين. تحمست للفكرة. في اليوم التالي كنت أقف في الطابور أنتظر دوري للدخول إلى قاعة التشريفات بالقصر.
جاء دوري. شعرت بالزهو والحماس وأنا أقف في مكان طالما ارتاده عظماء مصر، وهم يسجلون أسماءهم في سجل التشريفات بقصر عابدين.
وصلت مكان السجل المفتوح، وأمسكت بالقلم وكتبت اسمي بالكامل، واسم مدرستي، مدرسة النهضة الابتدائية بالزقازيق، ثم كتبت كلمات تعبر عن تأييدي وأهل. مدينتي وأسرتي لثورة يوليو ولأبطالها. مر على هذه الواقعة ما يقرب من سبعين عاماً. هل ما زالت هذه الدفاتر محفوظة؟ا
صفحة من حياة الفنان حجازي!
الفنان أحمد حجازي… واحد من أهم رسامي الكاريكاتير في العالم. عاش حياة في غاية البساطة، محباً متفانياً في عمله إلى أقصى درجة.
كان يبدأ عمله عند الفجر، وينتهي عند الظهر، ليبقي في بيته الذي أصبح مقراً وملاذاً لزملائه يزورونه في أي وقت يتحدثون ويأكلون ويتصرفون وكأنهم في بيوتهم.
كان حجازي زاهداً لا يسعى إلى منصب أو مال أو جائزة. أذكر أنه كان يعتذر عن حضور أي احتفال لتكريمه أو تقديم جائزة له.
حين كنت رئيساً لتحرير مجلة ماجد رشحته للفوز بجائزة الصحافة العربية، وهي جائزة مهمة تقدمها سنوياً دبي، ويضم مجلس إدارتها نخبة من الإعلاميين العرب.
عادة تواجه الترشيحات لهذه الجائزة مناقشات وخلافات، لكن مع الفنان حجازي وافق الجميع على منحه الجائزة، وكما اعتاد حجازي فإنه اعتذر عن حضور حفل تسلم الجائزة.
عمل حجازي معنا في مقر مجلة ماجد بأبو ظبي نحو عام، عاد بعده إلى القاهرة، واستمرت علاقته بالمجلة مستمرة، بل زادت وأصبحت إبداعات الفنانين بمصر تتجمع عنده لترسل في رسالة واحدة إلى المجلة بأبو ظبي..
نادراً ما كان حجازي يتصل بأحد هاتفياً. وأظن أن هذا نوع من الخجل.
أثناء غزو العراق للكويت، توقفت حركة الطيران بين دول الخليج والدول الأخرى. وكان وصول رسائل الرسامين والكتاب إلى مقر المجلة بأبو ظبي متعذراً، وقد نواجه أزمة خلال بضعة أسابيع.
كنت في مكتبي بمقر المجلة بأبو ظبي حين فوجئت بمكالمة من الفنان حجازي من القاهرة. لم يسبق له أن تحدث هاتفياً.
جاء صوته متحمساً وهو يعرض عليا حلاً لمشكلة عدم وصول أعمال الكتاب والرسامين إلى المجلة بسبب الحرب بين العراق والكويت. أبدى استعداده أن يحضر إلى أبو ظبي بأي وسيلة، وأن يقوم بنفسه برسم كل شخصيات المجلة، حتى لا يشعر القارئ بأي نقص.
شكرت حجازي على هذا العرض الكريم، وأخبرته أن لدينا احتياطات كافية، ورحبنا بحضوره إلى أبو ظبي في أي وقت
كان هذا هو الفنان الجميل أحمد حجازي.
للذكريات بقية
نلتقي الشهر المقبل بإذن الله