الأيام تجري!

لايت نيوز

0:00

الأيام تجري !

ذكريات صحفية | كتب : أحمد عمر
مؤسس ورئيس تحرير مجلة ماجد الأسبق

ها هو العام الثاني لمجلة (لايف) يبدأ، وسقف أحلامها يرتفع، لتظل في المقدمة، متطلعة إلى مستوى عالمي.

لا يتم ذلك بالتمنّي، بل بالجهد الدؤوب، على مدار الساعة.

حين دعتني المجلة لكتابة مقال ذكريات صحفية لم أتردد، لأني تابعت عن قرب فريق العمل، الذي يضم نخبة من الإعلاميين، يظللهم حماس بلا حدود.

لم أتردد في كتابة المذكرات، لأن المجلة قررت أن توجه رسالتها إلى قارئ يعرف ويقدّر قيمة الكلمة اليوم، والمجلة تطفئ الشمعة الأولى، وتستقبل العام الثاني، ألاحظ حماساً أكبر.

خاصة أن العام الأول كان ناجحاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأنها أصبحت موضع ثقة الجميع. أوجه التحية والتقدير لفريق العمل، وهم يتطلعون إلى مزيد من التألق.

إجازة 9 أشهر امتدت 40 عاماً

أعود إلى ذكرياتي الصحفية التي امتدت 60 عاماً في بلاط صاحبة الجلالة.

في أواخر عام 1971 تلقيت عرضاً للعمل في أبو ظبي، وكانت قد حصلت على استقلالها من بريطانيا منذ أسابيع قليلة.

قدّم لي العرض الصحفي الموهوب مصطفى شردي، نيابة عن المسئولين بأبو ظبي، التي أمضي بها أسابيع قليلة، فاجأهم خلالها بإصدار أول جريدة يومية لبضعة أيام، مستعيناً بعدد محدود من الصحفيين هم محمد بدر، وحمدي تمام، عبلة النويس.

نالت الصحيفة إعجاب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان حاكم أبو ظبي، وطلب من مصطفى شردي أن يتولى مسؤولية إصدار الجريدة بصفة دائمة. اختار نخبة من الصحفيين في مقدمتهم جلال عارف، وجمال بدوي، وعباس الطرابيلي، وعبد النبي عبد الباري، ويحيى بدر وأنا.

كان عليّ أن أحصل على إجازة من (أخبار اليوم) لأتمكّن من السفر. كان القرار في يد موسى صبري رئيس تحرير الأخبار في ذلك الوقت. توجهت إلى مكتبه، وطلبت منه إجازة لمدة عام واحد للعمل في أبو ظبي.

وكأني ألقيت قنبلة! اكفهر وجهه وبدا منفعلاً وهو يرفض رفضاً قاطعاً إعطائي إجازة بلا راتب. كان المكتب مزدحماً بالزملاء، مما دفعه إلى مواصلة الحديث معي في حمام ملحق بمكتبه.

قال إن إعطائي إجازة للسفر هو بمثابة إعطائي شهادة وفاة صحفية. وأضاف: أنت الآن في مرحلة الانطلاق.

فرصة لا تعوّض مهنياً ومادياً. كيف تترك كل هذا من أجل حفنة من الدراهم. الفرصة أمامك الآن وإذا سافرت ستفقدها وربما للأبد.

عدنا إلى مكتبه بعد انصراف الزملاء، لنستكمل الحديث. حاول إقناعي بكل الوسائل بلا فائدة. عرف أنني مقبل على الزواج وأحتاج إلى 900 جنيه، بصفة عاجلة.

قال إن في إمكانه أن يعطيني المبلغ، إضافة إلى راتبي، خلال عام كمكافآت. قلت إني أحتاج المبلغ كاملاً وفي أقرب وقت، والسفر هو الحل الوحيد.

أمام إصراري سألني عن راتبي المتوقع في أبو ظبي، وقال إنه سيعطيني إجازة 9 أشهر فقط، لا تزيد يوماً واحداً، أجمع فيها مبلغاً يكفي احتياجاتي بل ويزيد. وافقت بلا تردد، وكنت صادقاً، لأني أفضّل العمل في (أخبار اليوم).

أعطاني موسى صبري إجازة 9 أشهر، ولم يكن هو ولا أنا ندري أن القدر يخبئ لنا شيئا آخر! امتدت الإجازة ما يقرب من 40 عاماً. تدخل القدر لتمتد الإجازة طوال هذه المدة، وسوف أتحدث عن ذلك فيما بعد، لأن ما حدث يشبه المعجزات!

مصير البنك اللبناني الذي اخترناه!

قبل سفر مجموعة الصحفيين التي رشحها مصطفى شردي إلى أبو ظبي، كنا نحلم بتكوين ثروة، وكان يشغلنا أين نضعها، استشرنا صديقاً كان يعمل رئيساً لأحد فروع بنك كبير في القاهرة.

قلنا إننا نريد أن نحوّل الفائض من رواتبنا من أبو ظبي إلى مكان نستطيع أن نتصرف فيها، ونحولها إلى مصر بعد عودتنا. رشّح لنا بنكاً لبنانياً شهيراً. وافقنا جميعاً.

ركبنا طائرة مصر للطيران المتجهة إلى أبو ظبي، وكانت معلوماتنا أنها ستتوقف بضع ساعات في بيروت.

تصوّرنا أن في إمكاننا أن نخرج من المطار، ونتجه إلى البنك اللبناني الذي رشح لنا، ونفتح حسابات نحوّل إليها ما ندخره كل شهر. فوجئنا بأن الخروج من مطار بيروت مستحيل، وبذلك ضاعت الفرصة في فتح حسابات بالبنك، وشعرنا بالحزن الشديد.

عدنا إلى الطائرة بعد ساعات، وواصلنا رحلتنا إلى أبو ظبي لنصل إليها في ساعة متأخرة من يوم 28 فبراير 1972، لنبدأ مرحلة أخرى في رحلتنا الصحفية الطويلة.

كانت تحيط بنا آمال عريضة ونحن مقبلون على المشاركة في إصدار أول صحيفة يومية بالإمارات، اختار لها الشيخ زايد بن سلطان اسم (الاتحاد)، تيمناً باتحاد الإمارات في ديسمبر 1971.

وصلنا في ساعة متأخرة من الليل، ولاحظنا طوال الطريق من مطار أبو ظبي إلى الفندق أن الحدائق تحيط بالطريق من جانبية، أعطانا انطباعاً أننا في مدينة جميلة وليست مدينة وسط الصحراء.

وصلنا الفندق، لننام ساعات قليلة نصحو بعدها ونستقبل مرحلة فارقة في حياتنا. هي حديثنا في الحلقات التالية.

قبل أن أترككم أريد أن أخبركم بمفاجأة مذهلة، حدثت بعد أيام قليلة من وصولنا إلى أبو ظبي. البنك اللبناني الكبير الذي كنا ننوي وضع مدخراتنا عنده أعلن إفلاسه، وعجز عن رد أموال المودعين.

شعرنا بالحزن، لأننا لم نستطع فتح حسابات بهذا البنك، لكن هذا كان في صالحنا، وأنقذ حفنه الدراهم التي كان من المفترض وضعها في البنك المفلس. عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.

نواصل حديث الذكريات الصحفية العدد القادم بإذن الله.