«الأنوثة» في عيني الرجل

مقالات

استمع الي المقالة
0:00

«الأنوثة» في عيني الرجل

بقلم: أ. د. عمرو بسطويسي

لعل الكثير من الناس عندما نسألهم ذات السؤال الذي يحمله عنوان هذا المقال؛ «الأنوثة في عينى الرجل» كيف تكون؟، وما معاييرها التي يحكم بها رجلٌ ما على أنوثة امرأة ما؟، قد تكون الإجابة محصورة في ذلك التكوين الجمالي للمرأة بما فيه من جاذبية للرجل، أي أن التكوين التشريحي للمرأة كجسد هو مربط الإجابة عن السؤال في كثير من الأحيان.

وفى الواقع أن الإجابة الصادقة على هذا السؤال التي علمتنا إياها الحياة، ورسمت ملامحها الخبرات التى نجدها عند الكثيرين من الرجال ذوي العقول الناضجة والقلوب المليئة بالأحاسيس الصادقة والمشاعر، تقول غير ذلك، فليس الجسد وحده الذي يرسم أنوثة المرأة ويحدد درجاتها، فكم من الرجال ذابوا عشقًا في نساء لا يُمكن وصفهن بالجميلات؟

وفي الواقع ، فإن هذا السؤال عندما يُطرح، تقف أمامه الكلمات والجمل في حياء تام، ذلك أن مفهوم الأنوثة يتعدى المظاهر الجذابة والملابس الأنيقة ونغمة الصوت الرقيقة والجذابة، وإن كان يحتوى على ذلك كله، بالإضافة إلى ما هو أكثر أهمية فى وصف الأنوثة الحقيقية.

الأنوثة هي حالة من نوعٍ خاص
الأنوثة هي روح تلمس القلوب
الأنوثة هي حضور طاغٍ جذَّاب
الأنوثة هي لغة لا تُنطق بقدر ما هي حالة يمكن أن تشعر بها القلوب، وتقرأها في العيون، وتلمسها في السلوك.

ولأن خَلق الإنسان بدأ بآدم عليه السلام أولًا، ثم لحقت به حواء مخلوقةً من ضلعه، واضعةً آدم فى أول إحساس ينتابه من الذهول والانبهار بإعجاز الخالق، فقد ظلت ذريته من الرجال دائمًا وأبدًا في نفس الحالة من الذهول والانبهار والمراقبة لذلك المخلوق الرائع والساحر والمبهر في تكوينه وجمالياته وقدراته، وهو «المرأة».
هكذا الرجال منذ بدء الخليقة في حالة من التأمل في «المرأة» و«أنوثة المرأة».

الأنوثة الحقيقية بالنسبة للرجل الذي يفقه مكنون الحياة، لا تُختزل أبدًا في مجرد جسد جميل، بقدر ما يراها في ابتسامة خجولة أو إصغاء لما قد يقول بصدق وحب وتقدير.

الأنوثة تقتحم قلب الرجل عندما تربُت يدُ المرأة على آلامه برفق غلفه الحنان، وبحب لا يشوبه زيف أو تصنع، وبكلمة رقيقة تغمر شغاف قلبه.

الأنوثة تغمر الرجل عندما يجد بين أحضان حبيبته ذلك الدفء الذي يُغنيه عن العالم كله، ويجعله يظن أنه أغنى أغنياء الدنيا.
الأنوثة هي تلك اللحظات التي يتوق فيها الرجل إلى أنفاس حبيبته يستنشقها بعمق في صدره فتُحدث في خلجات نفسه ما لا يمكن وصفه بكلماتٍ ولا آهات.

الأنوثة في عيني الرجل لا يمكن أن تكون ذلك التمرد الصارخ على الرجل، ولا تلك التبعية العمياء.

إنها ليست تلك القوة الصاخبة في وجه الرجل، ولا هي ذلك الضعف المُصطنع والمُستغل لعطف الرجل.

الأنوثة الحَقَّة هي ذاك التوازن البديع بين الرقة والصلابة، بين الحياء الرقيق والحضور الراقي، بين اللين في التعامل والثبات على المبادئ.

الرجل الناضج وجدانيًا، لا ينجذب إلى الجمال الخارجي وحسب، بل يأسره ذلك النوع من النساء اللواتي يحملن هدوءًا داخليًا، تأسر قلبه أنوثةُ امرأة لا ترفع صوتها، لكنها لا تُهان، امرأة لا تتصادم معه، ولكنها لا تنكسر.

لو تدري النساء أن الرجل الناضج لا يرى أنوثة في امرأة تُجاري الموضات، بقدر ما يجدها في امرأة تُشبه نفسها، لا تتشبه بغيرها، يجدها في امرأة لا تُقلد، لا تزيف، ولا تتصنع.

الأنوثة التي تُشعل قلب الرجل ليست دائمًا في ملمس الحرير، بل قد نجدها في طريقة تقديم كوبٍ من الشاي، في دفء الحضور، في التفاصيل الصغيرة التي لا تراها هي، بينما يحفظها هو عن ظهر قلب وينتظرها ويتمناها.

الأنوثة في كثيرٍ من الأحيان يجدها الرجل في نظرة أم، أو في حضن أخت، أو في ابتسامة زميلة، أو في مشية امرأة وقورة تمسك بحقيبة من القماش البسيط وهي تعبر الشارع بثقة.

وكما نجد من النساء من يشتكين من «الرجال غير الناضجين عاطفيًا»، فإننا نجد الكثيرين من الرجال ممن يتألمون في صمت من تلك الصور المشوشة للأنوثة.

إنهم يتألمون من امرأة ترى في القسوة قوة، أو تعتقد أن في التجاهل احترامًا، أو في الصراخ إثباتًا لذاتها.

الأنوثة الحقيقية لا تحتاج إلى صراع، لأنها تفرض نفسها في حنانٍ ورقة أقوى من كل أسلحة العالم.

إن المرأة التى تمتلك أنوثةً حقيقيةً، لا تحتاج أن ترفع سيفًا ولا أن تلبس درعًا.. يكفيها أن تكون تلك المرأة التي تُبقي في وجهها على لمسة الحياء، والتي تعرف متى تتكلم، ومتى تصمت، والتي لا تشغل الناس بضجيج وجودها، بقدر ما تشغلهم بجمال وحلاوة هدوئها.

الأنوثة الحقيقية، هي تلك التي تُبقى المرأةَ في ذاكرة الرجل، حتى بعد مرور سنوات طوال.

وكما أننا ندرك أن ليس كل الرجال «رجالًا» بالمعنى النبيل، كذلك فإن ليست كل النساء «أنثويات» بهذا المعنى.

وما أجمل أن تلتقي الأنوثة الناضجة برجولة حقيقة، عندها ستُخلق علاقة لا تقوم على المنافسة بين الرجل والمرأة، بل على تناغم قلوب تحب ولا تكره.

الأنوثة الحقيقية ليست صراع أدوار، بل تكامل أرواح.

إن الأنوثة في عين الرجل الناضج ليست مجرد «أنثى»، بل «إنسانة».

تشبه حلاوة الوطن، ودفء الطمأنينة، وهدوء اليقين.

الأنثى الحقيقية هي التي إذا غابت عن الرجل يقول عنها: «وجودُها كان نعمة، وكلماتُها كانت لقلبي بلسمٌ، وغيابها عنى هو وحشةٌ مؤلمة».