أي نوع من الأشجار أنت؟
بقلم : أسامة كمال
“إن لم يعجبك مكانك فغيّره.. أنت لست شجرة”، مقولة أعجبتني لرجل الأعمال الأمريكي الذي قدم العديد من المحاضرات التحفيزية جيم رون قبل أن يرحل عن عالمنا عام 2009.
ميزة المصريين وعيبهم أنهم كالأشجار، جذورهم ضاربة في الأرض، يشكون من التربة التي يعيشون فيها، ولكنهم في النهاية يرضون بها، لا يغيروها ولا يرتحلوا عنها.. وإن رحلوا ظل هناك حبل يربطهم بالأرض التي نبتوا فيها، وشعروا بالغربة مهما كان ترف العيش أينما ذهبوا.. الجزء الأول عيب والجزء الثاني ميزة.
فقليلون هم من انقطعوا عن الوطن الأم ويظلوا يحلمون بالعودة، لكنهم في معظمهم لا يعملون على تحسين التربة لأنفسهم ولا لغيرهم إلا من رحم ربي.
الحديقة التي نبتنا فيها كأشجار مصرية بجذور ضاربة في العمق يصعب خلعها، وجذوع بالغة الصلابة يصعب قطعها، تحتاج إلى الكثير لتصبح كحدائق أخرى تعجبنا.
لكننا لا نستطيع أن ننبت مثلها. نذهب ونعود بنفس عقليتنا الماضية وبلا جديد مما اكتسبناه وتعلمناه في حدائق أخرى فنوفره كي تكون حديقتنا كالحدائق التي تعجبنا.
لسنا أشجاراً، هذا ما يراه جيم رون، ولكننا أشجار بالفعل كما أراه أنا، ولكن أي نوع من الأشجار؟ معظمنا شجر مثمر وليس للزينة، والشجرة المثمرة ربما لا تكون الأجمل ولكنها الأكثر فائدة.
ورغم تلك الفائدة لا نشبه حدائق قصر فرساي الفرنسي الشهير ولكننا أشبه بشجر البرتقال في غيط الحاج أبو إسماعيل في محافظاتنا في الدلتا.
تحيط بنا الطرق الترابية والمنازل الطيبة التي كانت بالطوب اللبن، فتحولت إلى منازل أسمنتية زادت من التشوه، ولكنها أشجار مثمرة في بيئة يمكن أن تكون أجمل، لكننا اخترناها لتبدو كذلك.
ورغم كل ذلك نبقى كمصريين أشجاراً وارفة مثمرة مرتبطة بتربتها لا نتزحزح عنها، لكن مع عوامل الزمن اختار كل منا نوع الشجرة التي أصبحها، منا من هو نخل يتحدى عوامل الطبيعة ويعيش ليعطي، ومنا من صار متقزماً، لكنه ما زال يثمر أنواع مانجو حلوة المذاق، ومنا من صار شجرة جميز تثمر، لكن ظلها أهم من ثمارها.
لكن البعض الآخر اختار ألا يطرح الثمر ويستهلك الماء، ولا يعطي لا ظل ولا جمال ولا ثمرة واحدة.. محسوب أنه شجرة وليست به من صفات الأشجار إلا الانتماء إلى الأسرة الشجرية.
في شهر رمضان المعظم نرى أناساً قلوبهم تلقي بثمار على الفقراء والمحتاجين، وآخرين ليس بمقدورهم الإثمار، لكنهم يظللون البشر بحب ورحمة وكلمة طيبة، بينما يقف البعض موقف من يمنع الخير أو يقطعه وكأنه نبتة شيطانية شاذة يسميها المزارعون “الغريبة”.
لماذا هي الغريبة؟ ليس فقط لغرابة طباعها، لكن أيضاً لأنها من سلالة أخرى تسللت تسرق الماء والغذاء الذي يحصل عليه باقي الزرع.
الفلاحون يعرفون ماذا يفعلون بالغريبة.. يقتلعونها من جذورها حتى لا تعود، ولكنها ما تلبث أن تعود بعد وقت فيكررون اقتلاعها حتى لا تتكاثر، وتتسبب في ضعف أو قتل الزرع الجيد.
يقول تعالى في سورة إبراهيم: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ.. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ” صدق الله العظيم.. ضرب الله المثل للكلمة الطيبة بالشجرة التي هي أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء والكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة التي ليس لها جذور.
كذلك نحن البشر أشجار طيبة وأشجار خبيثة، لنا جذور أو هائمين على وجه الأرض نقتات من قوت غيرنا ولا نعطي لغيرنا.. فأي شجرة تختار أن تكون؟ كل سنة وأنتم طيبين.