في 26 نوفمبر 2025، قدّمت وزيرة المالية البريطانية Rachel Reeves ميزانية العام الجديدة التي تضم حزمة واسعة من الزيادات الضريبية والإصلاحات المالية في محاولة لتعزيز المالية العامة، ما أثار ردود فعل قوية من الأسواق، الاقتصاديين، والجمهور.
الموازنة — التي تُعد ثاني ميزانية كاملة تحت حكومة Labour Party منذ توليها السلطة — تهدف إلى جمع نحو 26 مليار جنيه إسترليني إضافية بحلول عام 2029/2030 من خلال إجراءات مثل تجميد شرائح ضريبة الدخل، فرض ضريبة “ممتلكات فاخرة” على المنازل التي تتجاوز قيمتها 2 مليون جنيه إسترليني، وزيادة ضرائب على توزيعات الأرباح، الدخل من العقارات، إضافة إلى رسوم محتملة على السيارات الكهربائية والمراهنات عبر الإنترنت.
من بين أبرز التعديلات أيضاً: تخفيض مزايا ضريبية للمساهمة في المعاشات التقاعدية لأولئك أصحاب الدخول العالية، بدءاً من 2029، مما يرفع تكلفة التأمينات والضرائب على رواتبهم.
على الجانب الآخر، تخلّل الميزانية بعض التخفيفات للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط: مثلاً، تم إزالة الحد على مخصصات الأطفال (أي إلغاء ما كان يُعرف “قانون الطفلين”)، وهو ما لاقى ترحيباً من أطراف تدعم دعم الأسر، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
لكن ما يثير القلق هو التأثير المحتمل لهذه الزيادات على الطبقة المتوسطة وعبء المعيشة: المؤسسات المالية واستطلاعات رأي عديدة أبدت خشية من أن تكون هذه الزيادات سبباً في تراجع القوة الشرائية للمواطن العادي، خاصة أن زيادات الضرائب تشمل شرائح دخل متوسطة وليست ثرية فقط.
ردود الأسواق والمستثمرين:
بعد الإعلان عن الميزانية، ارتفع الجنيه الإسترليني مقابل الدولار وتراجعت أسعار السندات الحكومية مؤقتاً، في رد فعل على ما اعتُبر “تحسناً في رأس المال المالي للحكومة” — أي أن الحكومة أصبحت تمتلك هامش أمان أكبر لمواجهة الديون.
مع ذلك، مؤسسة التصنيف الدولية S&P Global Ratings حذّرت أن الوضع المالي للبنك لا يزال “قابلاً للانهيار” رغم الإجراءات، مشيرة إلى أن النمو الاقتصادي والتوزيع العادل للعبء الضريبي يظلان غير مضمّنين بالكامل.
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة:
-
ملايين من العاملين قد يدخلون في شريحة الضرائب الأساسية أو الأعلى، حتى لو زاد دخلهم قليلاً؛ بسبب تجميد الشرائح.
-
ارتفاع كلفة المعيشة، خاصةً مع ضغوط على الإيجارات أو أسعار العقارات الفاخرة، ما قد يُفاقم شعور الطبقات المتوسطة بالدفع أكثر بينما الدخل لا يتناسب.
-
ازدياد الضغوط على الشركات في قطاع العقارات، الضيافة، والخدمات التي قد تشهد تباطؤ استهلاكي، خصوصاً مع تشديد الضرائب على العقارات الكبيرة والمنازل الفاخرة.
-
على الجانب الإيجابي: الحكومة تعد بأن جزءاً من هذه الضرائب سيُستخدم لتمويل رفاه اجتماعي، دعم خدمات عامة، وتحسين مستويات المعيشة للفئات الأشد حاجة (مثل إزالة الحد على مخصصات الأطفال).
خلاصة وتحليل:
ميزانية 2025 في المملكة المتحدة تمثل محاولة طموحة من حكومة لابور لمنحها “مساحة مالية” أوسع تستعيد بها السيطرة على الدين العام، مع تقديم دعم اجتماعي. لكن تلك الطموحات تأتي بثمن مرتفع على المواطن العادي والطبقة المتوسطة خاصة، وقد تؤدي إلى تراجع القوة الشرائية وازدياد الضغوط الاقتصادية.
في هذا السياق، يبرز سؤال مهم: هل ستنجح الحكومة في استخدام الأموال الإضافية لتحسين اقتصاد حقيقي ينعش النمو ويوفر فرص عمل، أم أنها ستتحول إلى ضريبة شبه دائمة تثقل كاهل الفئات المتوسطة؟ المستقبل القريب – خصوصًا قرارات إنفاق الحكومة وتفاعل السوق – سيكون مفتاح الإجابة.














