تهديد صامت قد يُسبب 12 مليون حالة سرطان عالميًا ..جرثومة المعدة

الصحة والجمال

استمع الي المقالة
0:00

جرثومة المعدة: تهديد صامت قد يُسبب 12 مليون حالة سرطان عالميًا في المستقبل.. هل أنت في خطر؟

 

تُعرف جرثومة المعدة، أو البكتيريا الحلزونية البوابية (Helicobacter pylori – H. pylori)، بأنها كائن دقيق يعيش في بطانة المعدة، وتُصيب ما يقرب من نصف سكان العالم. ورغم أن العديد من المصابين بها لا يُعانون من أعراض ظاهرة، إلا أنها تُعد أحد أبرز مسببات قرحة المعدة والاثني عشر، والتهاب المعدة المزمن. لكن الخطر الحقيقي الذي تُشكله هذه الجرثومة يتجاوز مجرد مشاكل الجهاز الهضمي المعتادة؛ فالدراسات الحديثة تُشير إلى أن جرثومة المعدة قد تكون وراء 12 مليون حالة سرطان على مستوى العالم في المستقبل، مما يجعلها عاملًا خطيرًا وراء واحدة من أكثر الأمراض فتكًا.

هذه الأرقام تُثير قلقًا بالغًا وتُشدد على ضرورة فهم العلاقة بين جرثومة المعدة والسرطان، وكيف يُمكننا الوقاية من هذا التهديد الصامت.


 

جرثومة : مُجرم أم متهم؟ فهم العلاقة بالسرطان

 

تُصنف منظمة الصحة العالمية (WHO) جرثومة المعدة كـ مُسرطن من الدرجة الأولى (Class 1 Carcinogen)، مما يُساويها في خطورتها المسرطنة بالتدخين. العلاقة بين جرثومة المعدة وسرطان المعدة معقدة ولكنها واضحة:

  1. الالتهاب المزمن: تُسبب جرثومة المعدة التهابًا مزمنًا في بطانة المعدة. هذا الالتهاب، الذي يستمر لسنوات طويلة دون علاج، يُمكن أن يُؤدي إلى سلسلة من التغيرات في خلايا المعدة:
    • التهاب المعدة الضموري: تُصبح البطانة رقيقة وتُفقد الغدد المنتجة للحمض والإنزيمات الهاضمة.
    • الحؤول المعوي (Intestinal Metaplasia): تتحول خلايا بطانة المعدة إلى خلايا تُشبه خلايا الأمعاء الدقيقة.
    • خلل التنسج (Dysplasia): تُصبح الخلايا غير طبيعية في الشكل والتنظيم، وتُعد مرحلة ما قبل سرطانية.
  2. التلف المباشر للحمض النووي (DNA): تُفرز الجرثومة سمومًا وإنزيمات تُمكنها من إتلاف الحمض النووي للخلايا المُبطنة للمعدة، مما يُزيد من خطر حدوث الطفرات التي تُؤدي إلى السرطان.
  3. تأثير على الجهاز المناعي: يُمكن أن تُؤثر الجرثومة على الاستجابة المناعية للجسم، مما يُعيق قدرته على التعرف على الخلايا السرطانية والقضاء عليها.
  4. تكوين مواد مسرطنة: تُساهم الجرثومة في تكوين بعض المركبات الكيميائية المُسرطنة، مثل النيتروزامين، داخل المعدة.

ليست كل إصابة بجرثومة المعدة تُؤدي إلى السرطان: يُصاب ملايين الأشخاص بجرثومة المعدة، ولكن نسبة قليلة منهم فقط تُصاب بسرطان المعدة. يعتمد ذلك على عدة عوامل، منها:

  • السلالة البكتيرية: بعض سلالات جرثومة المعدة، مثل تلك التي تُنتج بروتين CagA (Cytotoxin-associated gene A)، تُعد أكثر عدوانية وتزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
  • الوراثة: العوامل الوراثية لدى الفرد تلعب دورًا في مدى استجابة الجهاز المناعي للجرثومة وفي قابلية تطور السرطان.
  • عوامل نمط الحياة: التدخين، الكحول، والنظام الغذائي الغني بالملح والأطعمة المُصنعة، كلها تُزيد من خطر الإصابة بالسرطان لدى حاملي الجرثومة.

 

سرطان المعدة: أعراضه وتشخيصه

 

سرطان المعدة غالبًا ما يُعرف بأنه “القاتل الصامت” لأنه لا يُسبب أعراضًا واضحة في مراحله المبكرة. عندما تظهر الأعراض، قد تكون:

  • عسر الهضم المستمر وحرقة المعدة.
  • فقدان الشهية غير المبرر.
  • فقدان الوزن غير المبرر.
  • الشعور بالامتلاء بعد تناول كمية صغيرة من الطعام.
  • الغثيان والقيء.
  • ألم في البطن (عادة في الجزء العلوي).
  • الضعف والتعب (نتيجة فقر الدم الناجم عن النزيف الداخلي).
  • البراز الأسود (نتيجة نزيف في الجهاز الهضمي).

التشخيص: يعتمد التشخيص على:

  • اختبارات جرثومة: اختبار التنفس باليوريا، تحليل البراز، أو أخذ عينة من بطانة المعدة (خزعة) أثناء التنظير.
  • التنظير العلوي (Endoscopy): إدخال أنبوب رفيع مرن مزود بكاميرا عبر الفم لرؤية بطانة المعدة وأخذ خزعات. هذا هو الأسلوب الأكثر دقة.
  • الفحوصات التصويرية: مثل الأشعة المقطعية (CT Scan) والرنين المغناطيسي (MRI) لتقييم مدى انتشار السرطان.

 

12 مليون إصابة بالسرطان: ماذا تُشير هذه الدراسة؟

 

الدراسة التي تُشير إلى أن جرثومة  قد تُسبب 12 مليون حالة سرطان عالميًا في المستقبل تُسلط الضوء على الأثر المُذهل لهذه البكتيريا على الصحة العامة. هذه الأرقام ليست تقديرات عشوائية، بل تستند إلى:

  1. الانتشار الواسع: نظرًا لأن ما يقرب من نصف سكان العالم مُصابون بجرثومة المعدة، فإن العدد المطلق للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة كبير جدًا.
  2. النسبة المئوية المحتملة: حتى لو كانت نسبة صغيرة جدًا من المصابين بجرثومة المعدة تُطور سرطان المعدة، فإن العدد الإجمالي للأشخاص المُصابين على مستوى العالم يجعل هذه النسبة الصغيرة تُترجم إلى أعداد هائلة من حالات السرطان.
  3. العلاقة السببية المؤكدة: التصنيف الدولي لجرثومة المعدة كمُسرطن مُؤكد يُعطي مصداقية لهذه التوقعات.
  4. العبء الاقتصادي والصحي: تُشير هذه التقديرات إلى عبء هائل على أنظمة الرعاية الصحية العالمية، ليس فقط في علاج السرطان، بل أيضًا في تشخيصه المبكر والوقاية منه.

هذه الدراسات بمثابة ناقوس خطر يُنبه إلى ضرورة تكثيف الجهود للقضاء على هذه البكتيريا أو التحكم فيها.


 

ما يجب عليك فعله: الوقاية والعلاج

 

الخبر الجيد هو أن جرثومة  يُمكن علاجها، والوقاية من السرطان المرتبط بها ممكنة.

  1. الفحص والتشخيص:
    • إذا كنت تُعاني من أعراض تُشير إلى وجود جرثومة المعدة (مثل عسر الهضم المزمن، آلام المعدة، الغثيان) أو لديك تاريخ عائلي لسرطان المعدة، استشر طبيبك لإجراء الفحوصات اللازمة.
    • لا تُهمل الأعراض، خاصة تلك المُستمرة أو المتفاقمة.
  2. العلاج الثلاثي أو الرباعي:
    • إذا تم تشخيصك بجرثومة المعدة، سيصف لك الطبيب عادةً علاجًا ثلاثيًا (ثلاثة أنواع من الأدوية) أو رباعيًا (أربعة أنواع).
    • يتكون العلاج عادةً من نوعين من المضادات الحيوية (لقتل البكتيريا) بالإضافة إلى دواء يُقلل من حمض المعدة (مثل مثبطات مضخة البروتون – PPIs).
    • الأهمية القصوى: الالتزام الكامل بالجرعات والمدة الموصوفة للعلاج أمر حيوي لضمان القضاء التام على الجرثومة ومنع عودتها. عدم الالتزام يُمكن أن يُؤدي إلى مقاومة المضادات الحيوية وفشل العلاج.
  3. تغييرات في نمط الحياة والنظام الغذائي:
    • النظام الغذائي:
      • قلل من الأطعمة المالحة والمُدخنة والمُصنعة: هذه الأطعمة تُزيد من خطر الإصابة بسرطان المعدة.
      • زد من تناول الفواكه والخضروات: غنية بمضادات الأكسدة التي تُحارب الجذور الحرة وتُقلل الالتهاب.
      • احصل على الألياف: تُحسن صحة الجهاز الهضمي.
    • تجنب التدخين والكحول: يُزيدان بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطان المعدة.
    • الحفاظ على وزن صحي: السمنة تُعد عامل خطر لعدة أنواع من السرطان.
  4. المتابعة بعد العلاج:
    • بعد الانتهاء من علاج جرثومة المعدة، من الضروري إجراء اختبار تأكيدي (عادةً اختبار التنفس باليوريا أو تحليل البراز) للتأكد من القضاء التام على الجرثومة.
    • إذا كان لديك تاريخ من التهاب المعدة الضموري أو الحؤول المعوي، فقد يُوصي طبيبك بالمتابعة الدورية بالمنظار لمراقبة أي تغيرات في بطانة المعدة.
  5. الوعي والتثقيف:
    • نشر الوعي حول خطورة جرثومة المعدة وعلاقتها بالسرطان يُمكن أن يُشجع المزيد من الناس على الفحص والعلاج.

الخلاصة: جرثومة المعدة ليست مجرد سبب لألم المعدة العابر؛ إنها تهديد صحي عالمي يُمكن أن يُسبب ملايين حالات السرطان في المستقبل. هذه الحقيقة تُشدد على أهمية التشخيص المبكر والعلاج الفعال. لا تُهمل أي أعراض هضمية مُستمرة، واستشر طبيبك لإجراء الفحوصات اللازمة. فالعلاج البسيط لهذه البكتيريا يُمكن أن يُنقذ حياتك ويُحميك من مرض فتاك، ويُقلل من العبء الصحي على المجتمعات في جميع أنحاء العالم.