فهم مرض السكري: عوامل الخطر التي تزيد من فرص إصابتك وكيف يمكنك الوقاية
يُعد مرض السكري، أو الداء السكري، حالة صحية مزمنة تتسم بارتفاع مستويات السكر (الجلوكوز) في الدم بشكل غير طبيعي. يُمكن أن يُؤدي هذا الارتفاع المزمن إلى مضاعفات صحية خطيرة تُصيب القلب والأوعية الدموية، الكلى، العينين، الأعصاب، وغيرها من أجهزة الجسم. ورغم أن الوراثة تلعب دورًا، إلا أن هناك العديد من عوامل الخطر المتعلقة بنمط الحياة والصحة العامة التي تجعلك أكثر عرضة للإصابة به. فهم هذه العوامل هو الخطوة الأولى نحو الوقاية، أو على الأقل تأخير ظهور المرض وإدارته بفاعلية إذا كنت مُعرضًا له.
معرفة ما يجب فعله للتخفيف من هذه المخاطر يُمكن أن يُغير مسار حياتك بالكامل.
السكري: أنواع رئيسية ونظرة عامة
قبل الغوص في عوامل الخطر، من المهم التمييز بين الأنواع الرئيسية لمرض السكري:
- السكري من النوع 1: يُعد مرضًا مناعيًا ذاتيًا، حيث يُهاجم الجهاز المناعي خلايا بيتا المنتجة للإنسولين في البنكرياس ويُدمرها. يحدث غالبًا في الطفولة أو المراهقة، ويتطلب حقن الإنسولين مدى الحياة. (لا تُوجد عوامل خطر نمط حياة واضحة لهذا النوع).
- السكري من النوع 2: هو النوع الأكثر شيوعًا، ويُشكل حوالي 90-95% من جميع حالات السكري. ينجم عن مقاومة الجسم للإنسولين (حيث لا تستجيب الخلايا للإنسولين بشكل فعال) أو عدم قدرة البنكرياس على إنتاج كمية كافية من الإنسولين لتلبية احتياجات الجسم. يُرتبط هذا النوع بقوة بعوامل نمط الحياة.
- سكري الحمل: يُصيب بعض النساء أثناء الحمل، وعادة ما يزول بعد الولادة، لكنه يزيد من خطر إصابة الأم والطفل بالسكري من النوع 2 لاحقًا في الحياة.
تركيز هذه المقالة سيكون بشكل أساسي على السكري من النوع 2، كونه الأكثر ارتباطًا بعوامل نمط الحياة القابلة للتعديل.
عوامل تجعلك أكثر عرضة لمرض السكري من النوع 2:
تتضافر عدة عوامل لزيادة خطر إصابتك بالسكري. بعضها لا يُمكن التحكم به، والبعض الآخر يُمكن تعديله:
- زيادة الوزن والسمنة (خاصة دهون البطن):
- لماذا هو عامل خطر؟ هذا هو العامل الأكثر تأثيرًا. تُسبب الدهون الزائدة، خاصة تلك المُتراكمة حول البطن (الدهون الحشوية)، مقاومة للإنسولين. عندما تُصبح الخلايا أقل استجابة للإنسولين، يُضطر البنكرياس لإنتاج المزيد والمزيد منه. مع مرور الوقت، يُصبح البنكرياس مُرهقًا وغير قادر على مواكبة الطلب، مما يُؤدي إلى ارتفاع سكر الدم.
- ما يجب فعله: فقدان حتى 5-7% من وزن الجسم الكلي يُمكن أن يُقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالسكري من النوع 2.
- قلة النشاط البدني (نمط الحياة الخامل):
- لماذا هو عامل خطر؟ النشاط البدني المنتظم يُساعد الخلايا على امتصاص الجلوكوز من الدم بفعالية أكبر، ويُحسن من حساسية الإنسولين. عدم ممارسة الرياضة يُقلل من هذه الحساسية ويُعزز تراكم الدهون.
- ما يجب فعله: مارس النشاط البدني متوسط الشدة لمدة 150 دقيقة على الأقل أسبوعيًا (مثل المشي السريع، السباحة، ركوب الدراجات).
- النظام الغذائي غير الصحي:
- لماذا هو عامل خطر؟ تناول كميات كبيرة من الكربوهيدرات المكررة (الخبز الأبيض، الأرز الأبيض، المعجنات)، السكريات المضافة (المشروبات الغازية، الحلويات)، والدهون غير الصحية (الدهون المتحولة والمشبعة بكميات كبيرة) يُؤدي إلى زيادة الوزن ومقاومة الإنسولين.
- ما يجب فعله: ركز على نظام غذائي غني بالحبوب الكاملة، الفواكه، الخضروات، البروتينات الخالية من الدهون، والدهون الصحية. قلل من الأطعمة والمشروبات المُصنعة والسكرية.
- التاريخ العائلي للإصابة بالسكري:
- لماذا هو عامل خطر؟ إذا كان أحد والديك أو إخوتك مُصابًا بالسكري من النوع 2، فإن خطر إصابتك يزيد، مما يُشير إلى وجود عامل وراثي.
- ما يجب فعله: لا يُمكن تغيير الوراثة، لكن معرفة هذا العامل تُعني أنك يجب أن تكون أكثر يقظة تجاه عوامل الخطر الأخرى وأن تبدأ إجراءات الوقاية مبكرًا.
- العمر (أكثر من 45 عامًا):
- لماذا هو عامل خطر؟ مع التقدم في العمر، يميل معدل الأيض إلى التباطؤ، وتفقد الخلايا بعض حساسيتها للإنسولين.
- ما يجب فعله: تبدأ توصيات الفحص الروتيني للسكري غالبًا بعد سن 45 عامًا، أو في سن مبكرة إذا كنت تُعاني من عوامل خطر أخرى.
- ارتفاع ضغط الدم:
- لماذا هو عامل خطر؟ غالبًا ما يتواجد ارتفاع ضغط الدم والسكري معًا، ويُمكن لأحدهما أن يزيد من خطر الآخر. كلاهما يُساهم في مقاومة الإنسولين.
- ما يجب فعله: حافظ على ضغط دم صحي من خلال النظام الغذائي، التمارين، والأدوية إذا لزم الأمر.
- ارتفاع مستويات الكوليسترول غير الصحي (خاصة الدهون الثلاثية المرتفعة والكوليسترول الضار LDL المنخفض HDL):
- لماذا هو عامل خطر؟ ترتبط هذه المشاكل بالمتلازمة الأيضية ومقاومة الإنسولين.
- ما يجب فعله: اتبع نظامًا غذائيًا صحيًا، مارس الرياضة، وقد تحتاج إلى أدوية للتحكم في مستويات الكوليسترول.
- متلازمة تكيس المبايض (Polycystic Ovary Syndrome – PCOS) لدى النساء:
- لماذا هو عامل خطر؟ النساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض غالبًا ما يُعانين من مقاومة الإنسولين، مما يزيد من خطر إصابتهن بالسكري من النوع 2.
- ما يجب فعله: إدارة PCOS بشكل فعال من خلال النظام الغذائي، التمارين، والأدوية حسب توجيهات الطبيب.
- التاريخ المرضي لسكري الحمل:
- لماذا هو عامل خطر؟ النساء اللاتي أصبن بسكري الحمل خلال فترة سابقة يُصبحن أكثر عرضة للإصابة بالسكري من النوع 2 بنسبة تتراوح بين 35-60% في غضون 5 إلى 10 سنوات بعد الولادة.
- ما يجب فعله: يجب على هؤلاء النساء إجراء فحوصات منتظمة لسكر الدم واتباع نمط حياة صحي بصرامة.
- العرق أو الإثنية:
- لماذا هو عامل خطر؟ تُظهر بعض المجموعات العرقية (مثل الأفارقة الأمريكيين، الهسبان، الأمريكيين الأصليين، الآسيويين الأمريكيين، وسكان جزر المحيط الهادئ) استعدادًا وراثيًا أكبر للإصابة بالسكري من النوع 2.
- ما يجب فعله: هذا العامل لا يُمكن تغييره، لكنه يُشدد على أهمية الفحص المبكر والوقاية في هذه المجموعات.
- تناول أدوية معينة:
- لماذا هو عامل خطر؟ بعض الأدوية، مثل الكورتيكوستيرويدات، بعض مدرات البول، وبعض الأدوية المضادة للذهان، يُمكن أن تُزيد من مستويات سكر الدم وتُساهم في مقاومة الإنسولين.
- ما يجب فعله: ناقش مع طبيبك البدائل أو استراتيجيات إدارة سكر الدم إذا كنت بحاجة إلى تناول هذه الأدوية. لا تتوقف عن تناول أي دواء دون استشارة طبية.
- متلازمة ما قبل السكري (Prediabetes):
- لماذا هو عامل خطر؟ تُشير هذه الحالة إلى أن مستويات سكر الدم لديك أعلى من الطبيعي، لكنها ليست مرتفعة بما يكفي لتُصنف على أنها سكري من النوع 2. تُعد علامة تحذير قوية جدًا.
- ما يجب فعله: تُقدم هذه الحالة فرصة ذهبية للتدخل. يُمكن لتغييرات نمط الحياة (فقدان الوزن، النظام الغذائي، التمارين) أن تُعيد مستويات السكر إلى طبيعتها وتُمنع تطورها إلى سكري من النوع 2.
ما يجب عليك فعله للوقاية من مرض السكري: خطة عمل شاملة
إذا كنت تُعاني من واحد أو أكثر من عوامل الخطر المذكورة أعلاه، فإليك خطوات عملية يُمكنك اتخاذها لتقليل فرص إصابتك بالسكري:
- فقدان الوزن الزائد: حتى خسارة 5-7% من وزن الجسم تُحدث فرقًا كبيرًا. ابدأ بخطوات صغيرة ومستدامة.
- ممارسة النشاط البدني بانتظام: استهدف 150 دقيقة من النشاط متوسط الشدة أسبوعيًا، بالإضافة إلى تمارين القوة مرتين أسبوعيًا.
- تبني نظام غذائي صحي:
- قلل من السكريات المضافة، الكربوهيدرات المكررة، والدهون غير الصحية.
- زد من تناول الخضروات، الفواكه، الحبوب الكاملة، البروتينات الخالية من الدهون، والدهون الصحية.
- تحكم في أحجام الحصص.
- الإقلاع عن التدخين: يُؤثر التدخين سلبًا على حساسية الإنسولين ويزيد من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة.
- التحكم في ضغط الدم والكوليسترول: اتبع توجيهات طبيبك ونظامك الغذائي الصحي للتحكم في هذه الحالات.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم: استهدف 7-9 ساعات من النوم الجيد كل ليلة. قلة النوم تُؤثر سلبًا على هرمونات تنظيم سكر الدم والشهية.
- السيطرة على التوتر: التوتر المزمن يُمكن أن يُؤثر على مستويات سكر الدم. مارس تقنيات الاسترخاء مثل التأمل، اليوجا، أو قضاء الوقت في الطبيعة.
- الفحص الدوري: تحدث مع طبيبك حول الحاجة إلى فحوصات منتظمة لسكر الدم (مثل اختبار الهيموجلوبين الغليكوزيلاتي A1C) خاصة إذا كنت تُعاني من عوامل خطر. التشخيص المبكر يُمكن أن يُساعد في إدارة الحالة بفعالية أكبر.
الخلاصة: مرض السكري من النوع 2 ليس قدرًا محتومًا في معظم الحالات. بينما لا يُمكنك تغيير عوامل مثل العمر أو الوراثة، فإن فهم عوامل الخطر القابلة للتعديل وامتلاك الإرادة لتغيير نمط حياتك يُمكن أن يُقلل بشكل كبير من فرص إصابتك بالمرض. من خلال اتخاذ خطوات استباقية نحو فقدان الوزن، تبني نظام غذائي صحي، وممارسة النشاط البدني بانتظام، يُمكنك السيطرة على صحتك وتقليل مخاطر الإصابة بالسكري، مما يُمكنك من عيش حياة أطول وأكثر صحة ونشاطًا.














