تحويل المباني المكتبية المهجورة في المدن الكبرى إلى مساكن فاخرة.. حل لأزمة السكن في 2026

عقارات

استمع الي المقالة
0:00

تعاني المدن الكبرى حول العالم من ظاهرة غريبة منذ جائحة كورونا: ارتفاع قياسي في معدلات الشواغر في المباني المكتبية (Office Vacancy Rates) بالتزامن مع أزمة حادة في توفير السكن بأسعار معقولة. لمواجهة هذه المعضلة المزدوجة، أعلنت سلطات التخطيط العمراني في مدن مثل نيويورك ولندن وهونج كونج عن برامج تحفيزية ضخمة تهدف إلى تحويل المباني المكتبية القديمة والمهجورة إلى وحدات سكنية فاخرة أو ميسورة التكلفة. هذا التحول يمثل فرصة نادرة لإعادة إحياء مراكز المدن التجارية (Central Business Districts) التي تراجعت جاذبيتها بعد شيوع العمل عن بُعد. التحدي ليس في قرار التحويل بحد ذاته، بل في الجدوى الهندسية والاقتصادية للمشروع.

المباني المكتبية مصممة بشكل مختلف جذريًا عن المباني السكنية. فالمكاتب تتميز بـ “مساحات عميقة” (Deep Floor Plates) ونوافذ قليلة مقارنة بالمساحات السكنية، مما يجعل من الصعب توفير الإضاءة والتهوية الطبيعية الكافية للوحدات الداخلية. كما أن البنية التحتية (السباكة، التدفئة، التبريد) تحتاج إلى إعادة تصميم شاملة ومكلفة. ومع ذلك، وبدعم من التخفيضات الضريبية والإعفاءات التنظيمية الحكومية، أصبح التحويل الآن مجدياً اقتصادياً. المطورون العقاريون اكتشفوا أن تحويل هذه المباني إلى شقق استوديوهات فاخرة أو شقق بغرفة نوم واحدة يدر عائداً أعلى مما لو بقيت مكاتب تقليدية.

هذا التوجه له تأثيرات عميقة على التخطيط الحضري. فإعادة السكن إلى مراكز المدن يعني تقليل الاعتماد على النقل العام والسيارات في ساعات الذروة، وزيادة الإقبال على الخدمات المحلية والمطاعم والمتاجر في غير ساعات العمل، مما يخلق “حياة ليلية” أكثر حيوية في المناطق التي كانت مهجورة بعد الخامسة مساءً. كما يساهم في توفير سكن قريب من أماكن العمل للوظائف التي تتطلب التواجد اليومي. ومع ذلك، هناك تخوف من أن يتحول جزء كبير من هذا التحويل إلى “عقارات فاخرة” لا تخدم شريحة السكان ذوي الدخل المتوسط، مما قد يزيد من فجوة التفاوت السكني. لذلك، تفرض بعض البلديات شروطاً على المطورين بتخصيص نسبة معينة من الوحدات الجديدة كسكن ميسور التكلفة لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية من هذا التحول العمراني.