أعلنت شركة جوجل عن إطلاق واحد من أكبر التحديثات في تاريخ محرك البحث خلال عام 2025، وهو تحديث يعتمد على دمج نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مباشرة داخل نتائج البحث، بطريقة تجعل عملية البحث أكثر دقة وتفاعلية. التحديث الجديد، الذي أطلقت عليه جوجل اسم Search Enhanced Intelligence (SEI)، يمثل نقلة نوعية تهدف إلى تحويل تجربة المستخدم من مجرد البحث عن المعلومات إلى تلقي إجابات جاهزة وسياقية تعتمد على فهم معمق لنية المستخدم.
يعتمد نظام SEI على مجموعة من النماذج اللغوية المتقدمة التي تم تدريبها على تحليل السياق الكامل لاستفسار المستخدم بدلًا من الكلمات المفردة، بالإضافة إلى القدرة على إنجاز مهام معقدة داخل صفحة البحث نفسها مثل كتابة ملخصات، مقارنة أسعار، تحليل بيانات، وحتى اقتراح قرارات بناءً على معلومات موثوقة. ومع هذا التحديث، أصبح بإمكان المستخدم أن يحصل على إجابة شبه متكاملة بدلًا من تصفح عشرات الروابط كما كان يحدث سابقًا.
ولم تكتفِ جوجل بإضافة قدرات الذكاء الاصطناعي داخل مربع الإجابة الرئيسي فقط، بل طورت أيضًا طريقة فهرسة المواقع بحيث تعتمد على تقييم جودة المحتوى الحقيقي وليس فقط على الكلمات المفتاحية. ويشمل التحديث الجديد نظامًا متقدمًا لاكتشاف المقالات التي يتم إنشاؤها تلقائيًا بشكل سيئ، أو المحتوى المكرر، أو المواقع التي تعتمد على أساليب خداعية لتحسين ترتيبها. ووفقًا للتقارير الأولية، نجح النظام الجديد في خفض ظهور المحتوى منخفض الجودة بنسبة تزيد عن 42% خلال الأسابيع الأولى من إطلاقه.
من الجوانب المثيرة في هذا التحديث هو أن جوجل قدمت ما يسمى بـ “نتائج تفسيرية”، وهي نتائج تظهر للمستخدم على شكل شرح مبسط أو تحليل لموضوع معين، وتحتوي على مصادر موثوقة تم التحقق منها. فمثلًا إذا بحث المستخدم عن موضوع طبي أو اقتصادي معقد، سيظهر له تلخيص متكامل مدعوم بإشارات مرجعية يمكنه الرجوع إليها. وتأتي هذه الخطوة لمواجهة انتشار المعلومات المضللة ولتعزيز ثقة المستخدم في نتائج البحث.
وتقول جوجل إن هذا التحديث جاء بعد سنوات من البحث والتطوير، وبعد أن لاحظت الشركة أن المستخدمين لم يعودوا يبحثون عن روابط بل يبحثون عن حلول جاهزة. كما أن المنافسة الشديدة مع منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي دفعت الشركة لتسريع وتيرة التطوير وتقديم ميزات تجعل محرك البحث أكثر تفاعلًا وذكاءً. وقد بدأت جوجل بالفعل في اختبار ميزة جديدة تسمح للمستخدم بطرح أسئلة متابعة داخل صفحة النتائج نفسها، مما يجعل المحرك أقرب إلى مساعد رقمي متكامل.
وعلى الرغم من الحماس الكبير الذي أثاره التحديث، إلا أن هناك بعض المخاوف لدى أصحاب المواقع. فالتغيير في طريقة عرض المعلومات قد يؤدي إلى انخفاض نسبة الزيارات إلى المواقع التقليدية، خاصةً أن جوجل أصبحت تقدم الإجابات مباشرة للمستخدم. وقد عبر بعض الناشرين عن قلقهم من أن يؤدي ذلك إلى تقليل الاعتماد على المواقع المستقلة وزيادة تحكم جوجل في حركة مرور الإنترنت.
إلا أن جوجل أكدت أن التحديث يهدف في المقام الأول إلى تحسين تجربة المستخدم، وأن المواقع التي تقدم محتوى عالي الجودة ستظل تحصل على ترتيب جيد وستستفيد من ظهورها كمصادر معتمدة داخل الإجابات التوليدية. كما أعلنت الشركة أنها تعمل على إطلاق أدوات جديدة لأصحاب المواقع تساعدهم على تحسين محتواهم ليتوافق مع معايير التقييم الجديدة.
ويتوقع خبراء التكنولوجيا أن هذا التحديث سيعيد تشكيل مشهد البحث على الإنترنت خلال السنوات القادمة، وربما يغير طريقة كتابة المحتوى بالكامل. فمع قدرة جوجل على فهم النية العميقة للمستخدم، قد يتم التركيز أكثر على كتابة محتوى غني ومفيد وليس فقط محتوى مهيأ لمحركات البحث بالشكل التقليدي. كما أن دمج الذكاء الاصطناعي سيجعل عملية البحث أسرع وأكثر تخصيصًا، حيث يتم تقديم نتائج مختلفة بحسب تفضيلات المستخدم وسلوكه السابق.
ويرى المحللون أن هذه الخطوة قد تشعل المنافسة بين جوجل وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت التي تعتمد على نماذج GPT لدمج الذكاء الاصطناعي داخل البحث. وفي المقابل، ترى جوجل أن هذا التطوير هو امتداد طبيعي لرؤيتها التي بدأت منذ أكثر من 20 عامًا لجعل المعلومات متاحة ومفيدة للجميع، وأن دمج الذكاء الاصطناعي هو المرحلة التالية في هذا التطور.
بشكل عام، يمثل تحديث SEI نقطة تحول في مفهوم البحث الإلكتروني، وسيجعل المستخدم يحصل على تجربة أكثر ذكاءً وتفاعلية دون الحاجة إلى الخروج من صفحة النتائج. ومع استمرار التطوير، قد نشهد خلال السنوات القادمة بحثًا بدون روابط تقريبًا، يعتمد بشكل كامل على التحليل التلقائي وتقديم ردود جاهزة.














