كشف البنك الدولي في تقرير حديث أن العالم يخسر نحو 324 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنويًا، وهو ما يعادل كمية تكفي لتغطية احتياجات حوالي 280 مليون شخص.
هذا الفقد الهائل يعود إلى ممارسات إدارة غير مستدامة للأراضي والمياه، مثل الري المكثف غير الفعّال، إزالة الغابات، تدهور الأراضي الرطبة، وسوء تسعير المياه، بحسب التقرير.
التقرير الموسوم بـ Continental Drying: A Threat to Our Common Future يوضح كيف أن قارات عديدة تشهد جفافاً متزايداً بسبب التغير المناخي وسوء إدارة الموارد المائية.
وقد تم استخدام بيانات الأقمار الصناعية وتقنيات نمذجة متقدمة لتحليل التغيرات في الموارد المائية على مدى عقدين، ما مكّن من رسم خرائط دقيقة لأماكن الفقد الأكبر للمياه.
بين المناطق الأشد تأثراً نجد أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يترك الجفاف آثاراً كبيرة على العمالة والاقتصاد المحلي، وتزداد نسبة فقد الوظائف خاصة في المجتمعات الريفية التي تعتمد على الزراعة.
كما أن التحول إلى زراعة محاصيل كثيفة الاستخدام للمياه مثل الأرز والقطن يفاقم الضغط على الموارد المائية في تلك المناطق، ما يجعل الاستراتيجيات الزراعية أكثر حاجة للتطوير.
لكن التقرير لا يترك الأمر بدون حلول: البنك الدولي يقترح استراتيجية ثلاثية تشمل:
-
إدارة الطلب بشكل أفضل عبر فرض تنظيمات، تحسين الكفاءة في استخدام المياه، وتحفيز السلوك الحكيم للمياه.
-
توسيع الموارد من خلال إعادة تدوير المياه، تحلية، وتخزينها بذكاء.
-
توزيع عادل للمياه بين القطاعات والمناطق لضمان أن الجميع يحصل على نصيبه دون هدر.
هذا الاتجاه المتفاقم لا يأتي في وقت بعيد عن المخاطر العالمية الأخرى؛ فحسب تقرير UN World Water Development Report 2025، ذوبان الأنهار الجليدية في الجبال – التي تُعد “خزانات مائية طبيعية” – يؤدي إلى ضغوط كبيرة على إمدادات المياه العذبة، وقد يؤدي إلى فيضانات وانهيار نظم بيئية هشة.
كما أن نصف البلدان تقريبًا لديها أنظمة المياه العذبة متدهورة، سواء كانت الأنهار أو البحيرات أو المياه الجوفية، وفقًا لتقرير من برنامج البيئة للأمم المتحدة (UNEP).
علاوة على ذلك، في حوار دولي مهم خلال Rome Water Dialogue 2025، دعا كبار مسؤولي منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى تبني سياسات متكاملة تجمع بين الزراعة والطاقة والمياه لضمان أمن غذائي مستدام ومعالجة ندرة المياه.
المدير العام لـ FAO، Qu Dongyu، أكد أن مواجهة الأزمة المائية تتطلب “نهجًا عبر القطاعات” وليس فقط أدوات تقليدية، خصوصًا مع تزايد الطلب على الغذاء وحتى تزايد عدد السكان.
من الناحية الإنسانية والبيئية، فإن الفقد المائي الضخم يهدد ليس فقط الناس، بل النظم البيئية. الجفاف المستمر يعتبر من أخطر التهديدات لتوازن الأنظمة البيئية، أما التوزيع غير العادل للمياه فقد يزيد من التوترات بين المجتمعات والدول حول كيفية الاستخدام الأمثل للمورد المائي.
وفي الختام، يظهر التقرير أن هناك فرصة كبيرة للتحرك: مع الاستثمار الحقيقي والتعاون الدولي، يمكن للدول أن تعيد بناء أنظمة مائية أكثر استدامة، تحافظ على المياه بدلاً من فقدها، وتقلّل من التأثيرات السلبية للتغير المناخي على مواردنا الحيوية. لكن الوقت يداهمنا، والأمر عاجل للحفاظ على مستقبل قابل للعيش.













