يشهد عالم الأعمال تحولاً هيكلياً مع تزايد عدد شركات التكنولوجيا والخدمات الكبرى التي تتبنى رسميًا سياسة “العمل بالدوام الرقمي”، والذي يتضمن العمل لأربعة أيام فقط في الأسبوع دون أي خفض في الرواتب أو المزايا. هذا النموذج، الذي كان في السابق مجرد تجربة محدودة، أصبح الآن سياسة عمل دائمة في عدة شركات عالمية، مدفوعاً ببيانات أثبتت أن تقليل ساعات العمل لا يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية، بل غالبًا ما يؤدي إلى زيادتها وتحسين جودة المخرجات. الفكرة الأساسية وراء الدوام الرقمي هي التركيز على “الإنتاجية القائمة على النتائج” (Output-Driven Productivity) بدلاً من الالتزام بساعات العمل الطويلة. الموظفون، وهم يعلمون أن لديهم يوماً إضافياً للراحة أو قضاء الوقت مع العائلة، يصبحون أكثر تركيزاً وكفاءة خلال الأيام الأربعة المخصصة للعمل. دراسة تجريبية عالمية شملت آلاف الموظفين في هذا النظام أظهرت نتائج مبهرة: ارتفعت مستويات الرضا الوظيفي بنسبة 70%، وانخفضت معدلات الإجهاد والاحتراق الوظيفي (Burnout) بشكل كبير. الأهم من ذلك، أن عائدات الشركات التي تبنت هذا النموذج لم تنخفض؛ بل سجلت بعضها نمواً طفيفاً. هذا النموذج يمثل أيضاً حافزاً قوياً للشركات لجذب أفضل الكفاءات والاحتفاظ بها، خاصة في القطاعات شديدة التنافسية مثل البرمجة والتطوير. الشركات تروج لهذه السياسة ليس فقط كجزء من المزايا، بل كجزء من “ثقافة الشركة” التي تقدر رفاهية الموظف ووقته الشخصي. ومع ذلك، لم يمر هذا النموذج دون تحديات. في بعض القطاعات التي تتطلب تواجداً مستمراً لخدمة العملاء أو العمليات التشغيلية (مثل المصانع أو خدمات المستشفيات)، كان تطبيق نظام الأيام الأربعة أصعب، واضطرت الشركات لتبني نماذج “متداخلة” أو متناوبة. هناك أيضاً مخاوف من أن يؤدي الضغط لإنهاء عمل الأسبوع في أربعة أيام إلى زيادة كثافة العمل في الأيام المحددة، مما قد يؤدي إلى إجهاد مضاعف، رغم أن البيانات تشير إلى أن هذا لم يحدث على نطاق واسع في الشركات التي قامت بالتخطيط الجيد للتحول. يتوقع المحللون أن يتحول هذا النموذج ليصبح هو المعيار الجديد للعمل في الاقتصادات المتقدمة بحلول نهاية العقد، مدفوعاً بالذكاء الاصطناعي الذي يتولى المهام الروتينية، مما يمنح البشر المزيد من الوقت للراحة والإبداع.
العمل بالدوام الرقمي.. شركات التكنولوجيا تبدأ بتبني نموذج الـ 4 أيام عمل دون خفض للراتب
بيزنس 31 أكتوبر, 2025
استمع الي المقالة
0:00











