Dune: Part 2.. عالم خيالي يخطف الأنظار.
أفلام الفانتازيا تعتبر من أكثر أنواع الأفلام شهرة وتأثيرًا في عالم السينما، حيث تقدم رحلات سحرية إلى عوالم خيالية مليئة بالمخلوقات الغريبة والقوى الخارقة والمغامرات الشيقة.
تتنوع أفلام الفانتازيا بين الخيال العلمي والسحر والأساطير والخيال السحري، وتعكس تلك الأفلام غالبًا رغبة الإنسان في الهروب من الواقع واستكشاف عوالم جديدة تتخطى حدود الواقعية.
يتميز هذا النوع من الأفلام بقصصه الجذابة، وتقنيات العرض المبهرة، والتأثيرات البصرية الرائعة التي تأسر خيال المشاهدين وتجعلهم يعيشون تجارب استثنائية وساحرة في كل مشاهدة.
هذا العمل الفريد الذي صدر لأول مرة بتوقيع الأديب الأمريكي فرانك هربرت في 1965، حقق في زمنه مبيعات قياسية، ووضعه النقاد بين أفضل ما جادت به قريحة الكتاب في مجال الخيال العلمي، وفي استطلاعات الرأي والتقييمات التي أجريت منذ ذلك الحين تأتي Dune دوماً ضمن أفضل 5 أعمال خيالية، ربما لا تتفوق عليها سوى ملحمة Lord of the Rings، للإنجليزي ج.ر.ر. تولكين.
ولعل الميزة التي تجمع بينهما هي قدرة صاحبيهما على خلق عالم كامل من الخيال، جغرافياً وتاريخياً وإحيائياً ولغوياً، عالم مواز تسكنه كائنات متعددة لا يشبه عالم الأرض سوى في العلاقات والمشاعر والصراع الأبدي على السلطة.
منذ صدورها ألهمت ملحمة هوليوود Dune العديد من السينمائيين، لعل أولهم هو المخرج التشيلي أليخاندرو جودروفسكي، الذي قام بإعداد كامل للعمل وتصوير أجزاء منه، وبالرغم من أن المشروع فشل لشدة طموحه وتعثر إنتاجه، لكنه ألهم كثير من السينمائيين ومنهم جورج لوكاس في Star Wars، وديفيد لينش الذي قام بتحويل Dune إلى فيلم سوريالي رائع وصعب في 1984.
كان على الملحمة، التي ساهمت في تشكيل أدب وسينما الخيال العلمي، أن تنتظر لأكثر من نصف قرن حتى يظهر مشروع كبير يليق بها، وهو المشروع الذي بدأه المخرج الكندي دوني فيلنيوف منذ 4 أعوام بكتابة وإخراج الجزء الأول من الملحمة.
حقق الجزء الأول الذي عرض في نهاية 2021، بعد تأخر لشهور بسبب وباء كورونا، نجاحاً كبيراً تمثل في إيرادات وصلت إلى 430 مليون دولار (علما بأن ميزانية إنتاجه كانت 165 مليونا)، وهو رقم كبير بالنسبة إلى الفترة الصعبة التي عرض فيها.
مع ذلك أثيرت بعض الملاحظات السلبية المتعلقة بالفيلم، ربما منبعها أنه أقرب للسينما الأوربية (والكندية)، منه للانتاجات الهوليوودية الشعبية، التي تركز على “الأكشن” وتشغل فيها المعارك والمواجهات الدرامية المساحة الأغلب، بينما ركز الجزء الأول من Dune على الوصف والتعريف بالشخصيات وإنشاء العلاقات بينهم، وعلى خلق تأثير ومزاج عام ساحر وغامض أكثر من الإبهار بالمؤثرات الخاصة البصرية والسمعية.
إبهار وتشويق
في الجزء الثاني من Dune، الذي بدأ عرضه أول مارس الحالي، بعد سلسلة من التأجيلات وتغيير مواعيد الصدور، ينجح دوني فيلنيوف في تجاوز الفيلم الأول، محققاً كل من الإبهار والتشويق المطلوبين، بجانب الحفاظ على السحر والتأثير المغناطيسي الذي لا يقاوم.
ولعل أحداً في تاريخ السينما لم ينجح في تحقيق الاثنين بمثل هذه البراعة، سوى ستانلي كوبريك في A Space Odyssey: 2001.
على مدار 165 دقيقة يخطفنا Dune، حرفياً، داخل عالمه الفاتن وشخصياته الجذابة (حتى الأشرار منهم، بل وخصوصاً الأشرار منهم)، من خلال تصوير لا يمكن فيه تمييز الطبيعي عن الصناعي (يمكن المقارنة هنا بين Star Wars الذي تتبدى فيه الشخصيات المخلقة بواسطة الكمبيوتر، والمؤثرات الصناعية جلية، بينما تتخفى هنا كأنها من عناصر الطبيعة.
ومن المدهش في Dune الذي تدور أحداثه بعد 20 ألف عاماً من الآن، أنه لا يظهر أي حاسوب أو روبوت أو ذكاء إصطناعي (ولذلك تبرير درامي، حيث توقع مؤلف الرواية أن البشر سيدخلون في صراع مع الذكاء الصناعي، ثم يقضون عليه في المستقبل البعيد).
بجانب التصوير (بما يعني الصورة والعناصر البصرية بشكل عام، من مواقع تصوير وديكورات وملابس وألوان) هناك الموسيقى التصويرية للساحر الكبير هانز تسيمر، التي تتخلل المشاهد وتتسلل عبر أذن وجسد المشاهد، يضاف إلى ذلك فريق الممثلين المختار بدقة فريدة، من تيموتي شالميت في شخصية الأمير الشاب بول أتريديس، المعذب بالأحلام، الذي يتحول إلى نبي رغماً عن إرادته، وريبيكا فيرجسون في دور أمه الليدي جيسيكا، التي تشبه في جزء منها أوليمبياس أم الأسكندر الأكبر، وفي جزء منها الليدي ماكبث، صاحبة الطموح الذي لا حدود له، والتي تدفع بابنها ليصبح ملكاً ورسولاً وصاحب السلطة المطلقة.
تحفل رواية Dune بمئات المفردات العربية التي تبين إلمام كاتبها باللغة العربية وتاريخها، بالرغم من أنه يستخدم هذه المفردات بطريقة حرة تناسب تصوره عن تطور اللغات بعد 20 ألف سنة، كما أنها تحفل بالشخصيات “العربية”، أو التي تبدو عربية.
وفي الحقيقة فإن أهم وأنبل شعب في الرواية وهو “الفريمن” هم من العرب الذين يسعون لتخصيب الكوكب الجاف “أراكيس” بالماء والحياة، وصورة العرب في الرواية، والفيلم، قد تبدو مصدراً لحساسية وتحسس البعض، خاصة حين نضع نظرية “الاستشراق” والتصورات النمطية عن الشرق والمسلمين في الحسبان.
ولكن بعيداً عن هذه الحساسية فإن كل من الرواية، والفيلم، يحملان حباً واحتراماً للثقافة العربية الصحراوية، ويضعانها في مقابل الثقافة الاستعمارية الغربية الشريرة التي تتسبب في دمار الأرض، بينما يقوم شعب الفريمين باكتشاف “التوابل” ثم بتطوير وسائل الزراعة وآليات الاستفادة من كل نقطة ماء على ظهر الكوكب القفر.