ألم الكتف المزمن: فهم أسباب التهاب المفصل وخيارات العلاج لاستعادة الحركة
يُعد مفصل الكتف أحد أكثر المفاصل تعقيدًا وحركة في جسم الإنسان، مما يجعله عرضة للعديد من الإصابات والالتهابات. الألم المستمر أو المتزايد في الكتف، خاصةً المصحوب بصلابة وصعوبة في الحركة، غالبًا ما يُشير إلى التهاب مفصل الكتف، وهي حالة مزعجة تُمكن أن تُؤثر بشكل كبير على جودة الحياة، وتُعيق الأنشطة اليومية من أبسط المهام مثل ارتداء الملابس إلى ممارسة الرياضة.
فهم الأسباب الكامنة وراء هذا الالتهاب، والتعرف على خيارات العلاج المتاحة، يُعدان خطوتين أساسيتين لاستعادة وظيفة الكتف والتخلص من الألم المبرح.
تشريح مفصل الكتف المعقد: لماذا هو عرضة للالتهاب؟
يتكون مفصل الكتف بشكل رئيسي من التقاء ثلاث عظام: عظم العضد (الذراع العلوي)، لوح الكتف، وعظم الترقوة. يُغطي نهايات هذه العظام غضروف ناعم يُساعد على حركة سلسة. يُحيط بالمفصل كبسولة مفصلية وأوتار وعضلات تُشكل ما يُعرف بـ”الكفة المدورة” (Rotator Cuff)، وهي المسؤولة عن تثبيت المفصل وتوفير نطاق واسع للحركة.
المرونة الهائلة لمفصل الكتف تجعله عرضة للإجهاد الزائد، التمزقات، والالتهابات، حيث أن أي تلف في الأوتار، الأربطة، الغضاريف، أو الكبسولة المفصلية يُمكن أن يُؤدي إلى التهاب وألم.
أشهر أسباب التهاب مفصل الكتف:
يمكن أن ينجم التهاب مفصل الكتف عن مجموعة واسعة من الأسباب، بعضها حاد وبعضها مزمن:
- التهاب الأوتار (Tendinitis) والتهاب الجراب (Bursitis):
- الأوتار: هي الحبال الليفية التي تُربط العضلات بالعظام. الإجهاد المتكرر، الحركات العلوية المتكررة (مثل الرمي، السباحة، أو رفع الأثقال)، أو الصدمات المباشرة يُمكن أن تُسبب التهابًا في أوتار الكفة المدورة (خاصة وتر العضلة فوق الشوكة) أو وتر العضلة ذات الرأسين.
- الجراب: هو كيس صغير مملوء بالسائل يُقلل الاحتكاك بين العظام والأوتار والعضلات. الالتهاب في الجراب (Bursitis) عادة ما يكون نتيجة للإفراط في الاستخدام أو الصدمة، ويُسبب ألمًا عند تحريك الكتف أو الضغط عليه.
- الكتف المتجمدة (Frozen Shoulder) / التهاب المحفظة اللاصق:
- هي حالة تُصبح فيها كبسولة مفصل الكتف سميكة، متصلبة، وملتهبة. تُؤدي إلى ألم وتصلب تدريجي في الكتف يُقيد نطاق الحركة بشكل كبير.
- السبب الدقيق غير معروف دائمًا، ولكنه يُمكن أن يحدث بعد إصابة، جراحة، أو فترات طويلة من عدم تحريك الكتف. يُلاحظ بشكل أكثر شيوعًا لدى مرضى السكري.
- التهاب المفاصل (Arthritis):
- التهاب المفاصل العظمي (Osteoarthritis): يُعرف أيضًا بالتهاب المفاصل التنكسي. يحدث عندما يتآكل الغضروف الواقي الذي يُغطي نهايات العظام، مما يُسبب احتكاك العظام ببعضها البعض، ويُؤدي إلى ألم، تصلب، وفقدان في نطاق الحركة. أكثر شيوعًا مع التقدم في العمر.
- التهاب المفاصل الروماتويدي (Rheumatoid Arthritis): مرض مناعي ذاتي يُهاجم فيه الجهاز المناعي البطانة الداخلية للمفاصل، مما يُسبب التهابًا، ألمًا، تورمًا، وتلفًا في الغضاريف والعظام.
- تمزق الكفة المدورة (Rotator Cuff Tear):
- يحدث تمزق في أحد أو أكثر من أوتار الكفة المدورة. يُمكن أن يكون نتيجة إصابة حادة (مثل السقوط على الذراع الممدودة) أو تآكل تدريجي بسبب الاستخدام المتكرر والتقدم في العمر.
- يُسبب ألمًا شديدًا وضعفًا في رفع الذراع أو تحريكها.
- الإصابات الرضية:
- السقوط على الكتف، حوادث السيارات، أو الإصابات الرياضية المباشرة يُمكن أن تُسبب كسورًا في عظام الكتف (العضد، الترقوة، لوح الكتف)، خلع الكتف، أو إصابات الأنسجة الرخوة التي تُؤدي إلى التهاب وألم.
تشخيص التهاب مفصل الكتف:
يعتمد التشخيص على:
- التاريخ الطبي والفحص السريري: يسأل الطبيب عن طبيعة الألم، العوامل التي تُفاقمه، ويُجري اختبارات حركية لتقييم نطاق الحركة والقوة.
- الفحوصات التصويرية:
- الأشعة السينية (X-rays): تُظهر الكسور، التغيرات العظمية، أو علامات التهاب المفاصل.
- الرنين المغناطيسي (MRI): يُوفر صورًا مفصلة للأنسجة الرخوة مثل الأوتار، الأربطة، والغضاريف، مما يُساعد في الكشف عن التمزقات والالتهابات.
- الموجات فوق الصوتية (Ultrasound): يُمكن أن تُستخدم لتقييم الأوتار والجراب في الوقت الفعلي.
طرق علاج التهاب مفصل الكتف:
يهدف العلاج إلى تخفيف الألم، تقليل الالتهاب، واستعادة نطاق الحركة والقوة في الكتف. تختلف الخيارات حسب السبب وشدة الحالة:
- العلاج التحفظي (غير الجراحي):
- الراحة وتعديل الأنشطة: تجنب الأنشطة التي تُفاقم الألم، وتقليل الحركات العلوية أو المتكررة.
- كمادات الثلج/الحرارة: الثلج يُساعد في تقليل الألم والالتهاب في المراحل الحادة، بينما الحرارة تُساعد على استرخاء العضلات وتخفيف التصلب في المراحل المزمنة.
- الأدوية:
- المسكنات ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs): مثل الإيبوبروفين أو النابروكسين، تُساعد في تخفيف الألم والالتهاب.
- مرخيات العضلات: إذا كان هناك شد عضلي مصاحب.
- العلاج الطبيعي: يُعد حجر الزاوية في علاج معظم حالات التهاب الكتف. يتضمن:
- تمارين الإطالة: لتحسين مرونة ونطاق حركة المفصل.
- تمارين التقوية: لتقوية عضلات الكفة المدورة والعضلات المحيطة بالكتف لاستعادة الاستقرار والدعم.
- العلاج اليدوي: تقنيات يقوم بها المعالج لتحسين حركة المفصل.
- الحقن:
- حقن الكورتيكوستيرويدات: تُستخدم لتقليل الالتهاب والألم بشكل مؤقت في الجراب أو حول الأوتار.
- حقن البلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP): تُستخدم لتسريع الشفاء في بعض حالات تمزقات الأوتار الخفيفة.
- التدخل الجراحي: يُلجأ إلى الجراحة عادة عندما تفشل العلاجات التحفظية، أو في حالات التمزقات الكبيرة في الكفة المدورة، أو الإصابات الشديدة.
- تنظير المفصل (Arthroscopy): هو الإجراء الأكثر شيوعًا، حيث تُجرى الجراحة عبر شقوق صغيرة باستخدام كاميرا وأدوات دقيقة. يُمكن من خلالها إصلاح الأوتار الممزقة، إزالة الأنسجة الملتهبة، أو إزالة النتوءات العظمية.
- الجراحة المفتوحة: في بعض الحالات الأكثر تعقيدًا، قد تكون الجراحة المفتوحة ضرورية.
- التعافي بعد الجراحة: يتطلب برنامجًا مكثفًا من العلاج الطبيعي لإعادة التأهيل واستعادة الوظيفة الكاملة للكتف.
الخلاصة: التهاب مفصل الكتف المزعج هو حالة شائعة تتطلب اهتمامًا طبيًا. لا تُتجاهل الألم المستمر أو التحديات في الحركة، فالتشخيص المبكر والعلاج المناسب يُمكن أن يُحدثا فرقًا كبيرًا في سرعة التعافي ومنع المضاعفات المزمنة. استشر طبيبك لتحديد السبب الدقيق لألم كتفك، ووضع خطة علاجية مُخصصة تُعيد لك حرية الحركة ونوعية الحياة التي تستحقها.














