يشهد عالم الشهرة والترفيه تحولاً ثقافياً واقتصادياً غير مسبوق مع الصعود القوي لظاهرة “المؤثرين الافتراضيين” (Virtual Influencers) والمشاهير المولّدين بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي (AI). هؤلاء النجوم الرقميون، الذين لا وجود لهم في الحياة الواقعية، باتوا يحققون ملايين المتابعات، ويوقعون عقوداً ضخمة مع علامات تجارية عالمية في مجال الأزياء والتجميل، مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الممثلين والمؤثرين البشريين.
تعتمد هذه الظاهرة على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) وشبكات الخصومة التوليدية (GANs)، التي تتيح إنشاء شخصيات رقمية ذات مظهر واقعي، وسير ذاتية منسقة بعناية، وحضور مستمر على منصات التواصل الاجتماعي. ومن أبرز الأمثلة على هذا النجاح المؤثرة الافتراضية ليل ميكيلا (Lil Miquela)، التي تملك ملايين المتابعين وتعمل كعارضة أزياء لعلامات عالمية، وشخصيات أخرى مثل المغنية الافتراضية كيرا التي تصدر ألبومات تحقق ملايين الاستماعات على سبوتيفاي، حيث يتم توليد الموسيقى والأصوات والمرئيات بالكامل بواسطة الآلة.
ما يميز المشاهير الاصطناعيين ويجذب العلامات التجارية لهم هو:
- الكمال الخوارزمي: المشاهير الافتراضيون لا يرتكبون أخطاء، ولا يتقدمون في العمر، ولا يعانون من فضائح، ولا يطالبون بأجور باهظة أو إجازات. يمكن التحكم الكامل في تصريحاتهم وسلوكهم ليتوافق تماماً مع قيم العلامة التجارية، مما يقلل مخاطر الاستثمار التسويقي.
- التوافر على مدار الساعة: يمكن “تشغيل” هؤلاء المؤثرين رقمياً للتفاعل مع الجماهير حول العالم على مدار الساعة، وتقديم المحتوى الجديد باستمرار، مما يزيد من معدلات التفاعل والانتشار.
- التخصيص الفائق: يمكن تعديل شكلهم ولهجتهم وهواياتهم لتناسب بشكل مثالي السوق المستهدف، فبإمكان الوكالة إنشاء نسخة “خليجية” وأخرى “أوروبية” لنفس المؤثر الرقمي، مما يتيح التخصيص على نطاق واسع بتكلفة زهيدة.
هذا التغلغل للذكاء الاصطناعي يفتح الباب أمام “التشابهات الرقمية” (Digital Likenesses)، حيث أصبح بالإمكان إنشاء نسخ رقمية للممثلين والمطربين المتوفين أو المعتزلين لاستخدامها في إعلانات أو أفلام جديدة، مما يثير جدلاً قانونياً وأخلاقياً واسعاً حول حقوق الملكية والخصوصية.
وفي المقابل، بدأ المشاهير البشريون يطالبون بحماية حقوق صورهم وأصواتهم، خاصة بعد ظهور تقنيات التزييف العميق (Deepfake) التي باتت قادرة على تقليد أصواتهم وملامحهم بدقة متناهية. إلا أن الخبراء يرون أن الثورة الرقمية لا تعني نهاية الشهرة البشرية، بل تحولاً في دور الفنان، الذي سيصبح مطالباً بالتركيز أكثر على الأصالة، والإبداع المباشر، وتقديم تجارب حية فريدة لا يمكن للآلة تقليدها، مما يضمن أن الشهرة ستظل في النهاية مرتبطة بالإلهام البشري الأصيل.














