74 ألف طفل يولدون سنويًا حول العالم مصابين بالتهابات الكبد

الصحة والجمال

استمع الي المقالة
0:00

عبء خفي: 74 ألف طفل يولدون سنويًا حول العالم مصابين بالتهابات الكبد

 

في خضم التحديات الصحية العالمية، تبرز إحصائية مقلقة تكشف عن حجم مشكلة صحية غالبًا ما يتم التغاضي عنها: دراسة حديثة تُشير إلى أن حوالي 74 ألف طفل يولدون كل عام حول العالم وهم يحملون عدوى التهابات الكبد الفيروسية، وخاصة التهاب الكبد B (HBV) والتهاب الكبد C (HCV). هذا العدد الهائل من المواليد الجدد المعرضين لخطر الإصابة بأمراض الكبد المزمنة يؤكد على الحاجة الماسة لزيادة الوعي، تحسين برامج الفحص، وتوسيع نطاق الوقاية والعلاج لمنع انتقال هذه الفيروسات من الأم إلى الطفل.


 

التهاب الكبد الفيروسي: مرض صامت يهدد الأجيال

 

التهابات الكبد الفيروسية هي عدوى تُصيب الكبد، وقد تؤدي إلى تلف الكبد المزمن، تليف الكبد، وحتى سرطان الكبد إذا لم تُعالج. يُعتبر التهاب الكبد B و C من الفيروسات الرئيسية التي يمكن أن تنتقل من الأم المصابة إلى طفلها أثناء الحمل، الولادة، أو حتى بعد الولادة بفترة وجيزة.

  • التهاب الكبد B (HBV): يُعد شائعًا في العديد من أنحاء العالم، ويمكن أن ينتقل بسهولة من الأم المصابة إلى طفلها. إذا لم يُعالج الطفل، فإن خطر إصابته بالعدوى المزمنة التي قد تؤدي إلى تليف الكبد وسرطان الكبد في وقت لاحق من الحياة مرتفع للغاية.
  • التهاب الكبد C (HCV): على الرغم من أن معدل انتقال HCV من الأم إلى الطفل أقل من HBV، إلا أنه لا يزال يمثل مشكلة كبيرة، خاصة وأن معظم الأطفال المصابين بـ HCV لا تظهر عليهم أعراض في البداية، مما يؤخر التشخيص والعلاج.

 

تفاصيل الدراسة: الكشف عن الأرقام المقلقة

 

الدراسة الحديثة التي توصلت إلى هذا الرقم الصادم (74 ألف طفل سنويًا) غالبًا ما تعتمد على:

  1. تحليل بيانات المراقبة العالمية: جمع البيانات من قواعد البيانات الصحية الوطنية والدولية، ومنظمات الصحة العالمية، حول معدلات انتشار التهاب الكبد B و C لدى النساء في سن الإنجاب ومعدلات انتقال الفيروس من الأم إلى الطفل.
  2. النماذج الوبائية: استخدام نماذج إحصائية معقدة لتقدير الأعداد العالمية بناءً على البيانات المتوفرة والانتشار الجغرافي للفيروسين.
  3. التركيز على الثغرات: تُبرز الدراسة المناطق التي تعاني من أعلى معدلات الإصابة، وتشير إلى الفجوات في برامج الفحص والوقاية في هذه المناطق.

الرقم 74 ألفًا ليس مجرد رقم، بل يُمثل آلاف الأطفال الذين يولدون كل عام وهم يواجهون مستقبلًا صحيًا غامضًا، محملين بعبء مرض مزمن يمكن الوقاية منه في كثير من الحالات.


 

لماذا تستمر هذه الأعداد في الظهور؟ التحديات والمعوقات

 

على الرغم من التقدم الكبير في الطب والوعي بأمراض الكبد الفيروسية، لا تزال هناك عدة تحديات تُساهم في استمرار هذه الأرقام المرتفعة:

  1. نقص الوعي والفحص: العديد من النساء الحوامل لا يخضعن للفحص الروتيني لالتهاب الكبد B و C، خاصة في المناطق النامية. هذا النقص في الفحص يعني أن الكثير من الأمهات المصابات لا يُعرفن حالتهن، وبالتالي لا يتم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لأطفالهن.
  2. عدم اكتمال التغطية باللقاحات والوقاية: حتى عندما يتم تشخيص الأم المصابة بالتهاب الكبد B، لا يحصل جميع الأطفال حديثي الولادة على جرعة الغلوبولين المناعي لالتهاب الكبد B (HBIG) والجرعة الأولى من لقاح التهاب الكبد B فور الولادة (خلال 24 ساعة)، وهي إجراءات حاسمة لمنع الانتقال.
  3. الوصمة الاجتماعية: قد تمنع الوصمة المرتبطة بالتهاب الكبد بعض النساء من طلب الفحص أو العلاج، مما يزيد من خطر انتقال العدوى لأطفالهن.
  4. نقص الموارد والبنية التحتية: في العديد من البلدان منخفضة الدخل، تفتقر الأنظمة الصحية إلى الموارد اللازمة لتوفير الفحص الشامل، اللقاحات، والعلاجات اللازمة على نطاق واسع.
  5. تحديات علاج التهاب الكبد C: حتى وقت قريب، كان علاج التهاب الكبد C مكلفًا وصعب الوصول إليه. ورغم توفر الأدوية الجديدة عالية الفعالية، إلا أنها لا تزال غير متاحة على نطاق واسع في كل مكان، ولا يوجد لقاح متاح حاليًا لالتهاب الكبد C.

 

الحلول: استراتيجيات للحد من انتقال العدوى من الأم إلى الطفل

 

الخبر الجيد هو أن غالبية حالات انتقال التهاب الكبد B و C من الأم إلى الطفل يمكن الوقاية منها. تتضمن الاستراتيجيات الرئيسية ما يلي:

  1. الفحص الشامل لجميع النساء الحوامل: يجب أن يُصبح فحص التهاب الكبد B و C جزءًا روتينيًا من رعاية ما قبل الولادة لجميع النساء.
  2. التطعيم والوقاية عند الولادة:
    • لالتهاب الكبد B: يجب إعطاء جميع الأطفال المولودين لأمهات مصابات بـ HBV جرعة من الغلوبولين المناعي لالتهاب الكبد B (HBIG) ولقاح التهاب الكبد B خلال 24 ساعة من الولادة، يتبعها استكمال جدول التطعيم.
    • لالتهاب الكبد C: على الرغم من عدم وجود لقاح، يمكن للأمهات المصابات بـ HCV تلقي العلاج بمضادات الفيروسات ذات المفعول المباشر (DAAs) بعد الولادة، وفي بعض الحالات أثناء الحمل (تحت إشراف طبي صارم)، لتقليل الحمل الفيروسي وبالتالي خطر الانتقال.
  3. العلاج الفعال للأمهات المصابات: توفير الوصول إلى العلاجات الفعالة لكل من التهاب الكبد B و C للنساء في سن الإنجاب، مما يقلل من خطر انتقال الفيروسات.
  4. زيادة الوعي وتثقيف المجتمع: حملات توعية عامة لزيادة فهم التهاب الكبد، طرق انتقاله، وأهمية الفحص والوقاية.
  5. تحسين البنية التحتية الصحية: تعزيز أنظمة الرعاية الصحية لتوفير خدمات الفحص والوقاية والعلاج في جميع أنحاء العالم، خاصة في المناطق الأكثر تضررًا.

 

خاتمة

 

يُعد رقم 74 ألف طفل يُولدون سنويًا مصابين بالتهاب الكبد الفيروسي بمثابة دعوة للاستيقاظ للمجتمع الصحي العالمي. إنها تذكير بأن هناك أجيالًا تُدفع ثمن نقص الفحص والوقاية والعلاج. من خلال تكثيف الجهود في الفحص الشامل قبل الولادة، ضمان التطعيم الفوري عند الولادة، وتوفير العلاج للأمهات المصابات، يمكننا أن نُحدث فرقًا حقيقيًا في مستقبل هؤلاء الأطفال، ونُمهد الطريق لعالم خالٍ من انتقال التهاب الكبد من الأم إلى الطفل.