5 أخطاء شائعة للآباء تُهدد الصحة النفسية لأبنائهم..جسر المراهقة الهش

الصحة والجمال

استمع الي المقالة
0:00

 

جسر المراهقة الهش: 5 أخطاء شائعة للآباء تُهدد الصحة النفسية لأبنائهم.. كيف تتجنبها؟

 

فترة المراهقة هي واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا وحساسية في حياة الإنسان. إنها جسر يربط الطفولة بالرجولة أو الأنوثة، مليء بالتغيرات الهرمونية، العاطفية، والاجتماعية التي تُشكل شخصية الفرد. في هذه المرحلة، يحتاج الأبناء إلى دعم خاص ومُتفهم من آبائهم، الذين يُعتبرون المرشدين الرئيسيين. ومع ذلك، وبِسبب نقص الوعي أو التوتر أو ببساطة عدم إدراك تأثير بعض السلوكيات، قد يرتكب الآباء أخطاءً شائعة تُؤثر سلبًا على الصحة النفسية للمراهقين، وتُعيق تطورهم، وتُفسد العلاقة الأسرية. هذه الأخطاء، وإن بدت بسيطة للآباء، تُمكن أن تُترجم إلى شعور بالوحدة، القلق، الاكتئاب، أو انعدام الثقة بالنفس لدى المراهقين.

دعنا نتعمق في هذه الأخطاء الخمسة الشائعة التي يقع فيها الآباء مع أبنائهم خلال مرحلة المراهقة، ونُفصل كيف تُؤثر كل منها على الصحة النفسية للمراهقين، ونُقدم لك حلولًا عملية لِتجنبها وبناء علاقة قوية وصحية مع أبنائك المراهقين.


 

1. الخطأ الأول: المبالغة في الانتقاد والمُقارنة السلبية

 

الانتقاد المُستمر، خاصًة إذا كان غير بناء أو مُبالغًا فيه، يُعد سُمًا بطيئًا لِثقة المراهق بنفسه. تُصبح الأمور أسوأ عند مُقارنة المراهق بأقرانه، إخوته، أو حتى بِالآباء أنفسهم في صغرهم.

  • لماذا يُضر بالصحة النفسية؟
    • تدمير الثقة بالنفس: تُشعر المُقارنات والانتقادات المُستمرة المراهق بأنه غير كافٍ، لا يستطيع تلبية التوقعات، وأنه لن يكون جيدًا بما يكفي أبدًا.
    • الشعور بالدونية والقلق: يُمكن أن يُصاب المراهق بِمشاعر الدونية والقلق الشديد حول أدائه وقيمته الذاتية.
    • الانسحاب أو التمرد: قد ينسحب المراهق من والديه، أو يُصبح مُتمردًا، أو يُحاول جذب الانتباه بِطرق سلبية، لِأنه يشعر بعدم التقدير.
    • تكوين صورة ذاتية سلبية: يُمكن أن يُؤدي إلى تكوين صورة ذاتية مُشوهة، حيث يرى المراهق نفسه بناءً على النقد السلبي الذي يتلقاه.
  • الحل:
    • التركيز على الإيجابيات: امدح جهود المراهق وإنجازاته، حتى لو كانت صغيرة.
    • النقد البناء: إذا كان هناك حاجة لِلتصحيح، ركز على السلوك وليس على الشخصية. ابدأ بالإيجابيات، ثم تحدث عن السلوك الذي يحتاج إلى تحسين، واختتم بِكلمة مُشجعة.
    • التشجيع بدلاً من المُقارنة: شجع المراهق على التطور والتعلم من أخطائه، بدلًا من مُقارنته بِالآخرين. كل فرد فريد ولديه نقاط قوة وضعف خاصة به.

 

2. الخطأ الثاني: قلة الاستماع والانفصال العاطفي

 

المراهقة هي فترة يُحاول فيها الأبناء فهم هويتهم والعالم من حولهم. يحتاجون لِمساحة آمنة لِلتعبير عن أفكارهم، مخاوفهم، وتجاربهم دون حكم أو مقاطعة. لكن غالبًا ما ينشغل الآباء، أو يُقللون من أهمية مشاكل المراهقين.

  • لماذا يُضر بالصحة النفسية؟
    • الشعور بالوحدة والعزلة: عندما لا يشعر المراهق بأنه مُسموع أو مُتفهم، يُمكن أن يشعر بالوحدة والعزلة، حتى لو كان مُحاطًا بَأفراد عائلته.
    • صعوبة التواصل: يُؤدي إلى إغلاق قنوات التواصل بين المراهق ووالديه، مما يجعل من الصعب على الوالدين معرفة ما يمر به أبنائهم.
    • البحث عن الدعم في أماكن غير آمنة: قد يبحث المراهق عن الدعم والاهتمام في أماكن غير صحية (مثل علاقات غير مُناسبة أو مجموعات أصدقاء سلبية) إذا لم يجده في المنزل.
    • مشاكل في التعبير العاطفي: يُمكن أن يُواجه المراهق صعوبة في التعبير عن مشاعره، مما يُؤدي إلى تراكم التوتر والقلق.
  • الحل:
    • الاستماع الفعال: امنح المراهق انتباهك الكامل عندما يتحدث. استمع لِفهم، وليس لِلرد. اطرح أسئلة مفتوحة لِتشجيعه على التعبير.
    • تخصيص وقت مُنتظم: خصص وقتًا مُنتظمًا (حتى لو كان قصيرًا) لِلحديث مع المراهق عن يومه، اهتماماته، ومخاوفه.
    • التعبير عن التعاطف: أظهر تفهمًا لِمشاعره، حتى لو لم تتفق مع وجهة نظره. قلل من الحكم المُسبق.

 

3. الخطأ الثالث: السيطرة المُفرطة والحماية الزائدة

 

في مُحاولة لِحماية أبنائهم، قد يميل بعض الآباء إلى السيطرة المُفرطة على كل جوانب حياة المراهقين، من اختيار الأصدقاء إلى الأنشطة والهوايات والدراسة، مُقيدين حريتهم في اتخاذ القرارات.

  • لماذا يُضر بالصحة النفسية؟
    • انعدام الاستقلالية: تُعيق السيطرة المُفرطة نمو حس الاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات، وهي مهارات حيوية لِفترة البلوغ.
    • القلق والتوتر: يُمكن أن يُصاب المراهق بالقلق من عدم القدرة على تلبية التوقعات أو الخوف من الفشل، لِأنه لم يُتعلم كيفية التعامل مع النتائج.
    • ضعف الثقة بالنفس: يُشعر المراهق بأنه غير قادر على إدارة حياته بنفسه، مما يُقلل من ثقته بقدراته.
    • التمرد أو الخضوع السلبي: قد يُؤدي إلى تمرد علني، أو على الجانب الآخر، خضوع سلبي يُفقد المراهق شخصيته ورغبته في المُبادرة.
  • الحل:
    • منح مساحة للاستكشاف: اسمح لِلمراهق باتخاذ قراراته الخاصة في الأمور التي لا تُشكل خطرًا حقيقيًا، حتى لو ارتكب أخطاء.
    • الحدود الواضحة: ضع حدودًا واضحة ومُتفق عليها، ولكن امنح المراهق حرية الحركة داخل هذه الحدود.
    • التوجيه بدلاً من الإملاء: قدم النصيحة والتوجيه، ولكن اترك مساحة لِلمراهق لِلتفكير واتخاذ القرار.
    • بناء الثقة: شجع المراهق على تحمل المسؤولية عن اختياراته.

 

4. الخطأ الرابع: تجاهل علامات التحذير النفسية والعاطفية

 

المراهقة فترة حساسة تُمكن أن تظهر فيها بوادر لمشاكل نفسية (مثل الاكتئاب، القلق، اضطرابات الأكل). قد يتجاهل الآباء هذه العلامات، ينسبونها إلى “مرحلة المراهقة” أو “الدراما”.

  • لماذا يُضر بالصحة النفسية؟
    • تفاقم المشاكل: تجاهل العلامات يُمكن أن يُؤدي إلى تفاقم المشكلة النفسية وتحولها إلى اضطراب سريري يتطلب علاجًا مُتخصصًا.
    • الشعور بعدم الأهمية: يُمكن أن يشعر المراهق بأن مشاعره غير مُهمة أو أن والديه لا يُباليان بِمعاناته.
    • الانتحار أو إيذاء الذات: في الحالات القصوى، قد يُؤدي تجاهل الاكتئاب أو القلق الشديد إلى أفكار إيذاء الذات أو الانتحار.
    • تأخر التدخل المُناسب: يُضيع فرصة التدخل المُبكر الذي يُمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في مسار المرض.
  • الحل:
    • كن مُنتبهًا لِلتغييرات: راقب التغيرات في سلوك المراهق، مزاجه، أنماط نومه، شهيته، أدائه الدراسي، أو اهتمامه بالأنشطة التي كان يُحبها.
    • تحدث بصراحة: ابدأ مُحادثات مفتوحة وغير اتهامية حول ما تلاحظه.
    • اطلب المساعدة المُتخصصة: إذا كانت لديك مخاوف، استشر طبيب أطفال، أخصائي نفسي، أو مُستشار مدرسي. لا تخجل من طلب المساعدة.

 

5. الخطأ الخامس: عدم وضع حدود واضحة ومُتّسقة

 

بينما يحتاج المراهقون إلى استقلالية، فإنهم أيضًا بحاجة إلى حدود واضحة ومُتّسقة لِشعور بالأمان والتوجيه. التذبذب في القواعد أو عدم تطبيقها يُمكن أن يُسبب الفوضى والقلق.

  • لماذا يُضر بالصحة النفسية؟
    • انعدام الأمان: عدم وجود حدود واضحة يُمكن أن يُشعر المراهق بعدم الأمان وعدم معرفة ما هو مُتوقع منه.
    • زيادة التوتر والقلق: عدم الاتساق في تطبيق القواعد يُمكن أن يُؤدي إلى شعور المراهق بالإحباط، والتوتر، والقلق.
    • صعوبة في اتخاذ القرارات: يُمكن أن يُواجه المراهق صعوبة في اتخاذ القرارات السليمة إذا لم يُتعلم كيفية فهم العواقب.
    • تدهور العلاقة الأسرية: يُؤدي إلى صراعات مُتكررة وفقدان الاحترام بين الآباء والمراهقين.
  • الحل:
    • وضع قواعد واضحة: اجلس مع المراهق وضع قواعد أسرية واضحة ومُتفق عليها.
    • الاتساق في التطبيق: كن حازمًا ومُتّسقًا في تطبيق القواعد والعواقب المُترتبة على كسرها.
    • الشرح والتفاهم: اشرح للمراهق سبب وجود القواعد، لِكي يُفهم أهميتها.
    • المرونة (عند اللزوم): كُن مُستعدًا لِمراجعة بعض القواعد وتكييفها مع نضوج المراهق، ولكن بِأساس مُتفق عليه.

 

الخلاصة: استثمر في فهم واحتواء مراهقك

 

إن مرحلة المراهقة ليست مُجرد فترة عابرة، بل هي مرحلة بناء حاسم لِشخصية المراهق وصحته النفسية. الأخطاء التي يرتكبها الآباء، وإن كانت غالبًا بِحسن نية، يُمكن أن تُترك آثارًا عميقة وسلبية. من خلال تجنب الانتقاد المُفرط، والاستماع بفاعلية، ومنح مساحة لِلاستقلالية، والانتباه لِعلامات التحذير، ووضع حدود واضحة ومُتّسقة، يُمكن للآباء بناء جسر قوي من الثقة والتفاهم مع أبنائهم المراهقين. تذكر، إن أهم ما تُقدمه لمراهقك هو الحب غير المشروط، الدعم، والفهم، لِتُساعده على عبور هذا الجسر الهش بِأمان وثقة نحو مرحلة الشباب.