وجوه يومئذ ناضرة

لايت نيوز, هام

استمع الي المقالة
0:00

 

وجوه يومئذ ناضرة

بقلم : أسامة كمال

مع رحيل الفنانة دلال عبد العزيز، والحقيقة لم ألتق بها إلا مرة أو مرتين بشكل خاطف، رحمها الله وخالص عزائي لأخي الغالي والمحترم الإعلامي رامي رضوان ونجلتيها دُنيا وإيمي والفنان حسن الرداد وباقى الأسرة.

طافت بي الذكريات عمن رحلوا عن عالمنا وعرفناهم شخصياً عن قرب أو ترعرعنا وكبرنا ليشكلوا جزءاً من وجداننا.. لن أذكر أسماء، فالبعض فنانون.

والبعض أدباء، أو سياسيون، أو مدرسون في المدرسة، أو أساتذة في الجامعة، أو أهل، وأصدقاء دراسة، أو رفاق الشباب، يتساقطون كأوراق شجر أظلتنا في الحياة، فخففوا عنا قسوة الأيام.

ككل الناس، طافت بي الأفكار، وطفت في رحلة معها حتى ترددت في داخلي بإلحاح شديد كلمات الراحل عبد الرحيم منصور وغنّاها الملك محمد منير فأسهمت بكلماتها العميقة ولحن أحمد منيب الرائع وصوت منير المختلف بشكل كبير في اعتلائه هذا العرش.

وهو في مقتبل العمر، وكانت نقطة مضيئة في مشوار العملاق يوسف شاهين، حتى إنه كتب كلماتها على قبره، كما صرح ذات مرة منير لصاحبة السعادة إسعاد يونس.

دارت الكلمات التي أحفظها عن ظهر قلب: “ما نرضاش يخاصم القمر السما.. ما نرضاش تدوس البشر بعضها.. ما نرضاش يموت جوه قلبي نداه.. تهاجر الجذور أرضها.. ما نرضاش قلبي جوا يغني وأجراس تدق لصرخة ميلاد”.

وتوقفت عند: “تموت حتة مني الأجراس بتعلن نهاية بشر من العباد”.. كنت قبلها أتوقف عند “أخاف عليكي يا مصر واحكيلك على المكنون”.. الوقفة اليوم مختلفة، ليس لأن إحساسي تجاه مصر اختلف، لكن لأن شيئاً ما بداخلي دارت فيه صور من رحلوا عن عالمنا بعد أن كان لهم أبلغ الأثر، بدءاً من أبي وأمي وأخي الأكبر لأصدقائي وسيدات ورجال التقيتهم أو لم ألقاهم، لكن كل منهم ترك علامة في شخصيتي.

“تموت حتة مني”.. يااااااه ما أبلغه من تعبير بسيط يصف حالة كاملة يمر بها الإنسان. أي قطعة منا التي تموت؟ أهي القطعة التي تسبب حالة الشجن؟ أم هي القطعة التي تجعل الدموع تترقرق في أعيننا عندما نتذكّرهم وتتغير نبرة صوتنا عندما نذكرهم ونحاول أن نداري الغصة في حلوقنا حتى لا يرى أحد نقاط ضعفنا فيسخروا منا.

ولأنها الأفكار التي لا يمكنك التحكم في تدفقها تذكرت واحدة من أجمل القصائد كتبها الشاعر اليوناني كونستانتين كافافي – بلدياتي الإسكندراني – وحفظتها أيضاً ولكن باللغة الإنجليزية، حيث تقول ما معناه: أصوات محبوبة لمن رحلوا عن الدنيا، أو فقدناهم وكأنهم رحلوا عن الدنيا. أحياناً يحدثونا في أحلامنا.

وأحياناً تسمعها عقولنا في أفكارنا.. ومع أصواتهم للحظة تعود أصوات أخرى من أول أبيات شعر في حياتنا، وكأنها موسيقى بعيدة تخفت في ظلام الليل.

هذا ليس مقال رثاء، ولا هو حالة حزن، ولا يرقى لأن يكون اعتراف بجميل من أثروا في حياتي، لكنه وصف حالة وأفكار ومشاعر وصور لوجوه جميلة، وأصوات سعيدة، وابتسامات وضحكات على هذه الوجوه الجميلة.

هكذا أتذكرهم، أو قل هكذا أحب أن أتذكرهم.. كما بشرنا الله سبحانه وتعالى في قوله “وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة”.

فكّر معي، كم شخصاً تعرفه أثر في حياتك بشكل كبير أو قليل.. تذكّر كل واحد منهم، واعطه ربع دقيقة من وقتك لتدعو له بالرحمة. ابدأ بوالديك وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً.

ثم طف بخيالك، وعد بالذاكرة قدر إمكانك، ستجد الأعداد تتزايد، وأرجو أن لا تصل إلى ما وصلت إليه طوال اليوم وأنا تتردد بداخلي الكلمات: “تموت حتة مني الأجراس بتعلن نهاية بشر من العباد”.. وخلي قلبك يغني على طول!