هاني همام يكتب: الرهون العقارية وأزمة 2008
تعرض قطاع العقارات الصيني المضطرب لضربة جديدة، عندما توقف المستثمرون عن إتمام أقساط الرهن العقاري لوحدات ضمن مشاريع غير مستكملة، وجاءت المقاطعة في وقت يكافح عديد من المطورين للتعامل مع الديون المتراكمة والمخاوف من إمكانية تفشي الأزمة لتشمل باقي قطاعات الاقتصادين الصيني والعالمي.
التحذيرات من مغبة انفجار أزمة عقارات في الصين ليست جديدة. بعض هذه التحذيرات تحدثت عن أزمة قد تضرب مؤسسات مالية خارج نطاق الصين. والحق أن الديون المتراكمة على شركات القطاع الخاص بلغت حداً خطيراً للغاية، ليس فقط من حيث حجمها الذي يصل إلى خمسة تريليونات دولار، وفق تقديرات مجموعة “نومورا” المالية، بل توسع نطاق المؤسسات والمصارف المنكشفة أيضاً.
ويبدو أن أزمة ديون قطاع العقارات شبح يهدد بكبح عجلة الاقتصاد الصيني. وتمتلك الصين قوة بشرية ضخمة تصل إلى 1.4 مليار نسمة واقتصاداً تضاعفت قوته خلال العقد الماضي، كل هذا يوحي بأن طارئاً اقتصادياً قد ينذر بخسائر ضخمة وقلق مزعج قد يتجاوز البلاد.
وكان هذا السيناريو قد وقع في سبتمبر الماضي عندما تجاوزت ديون مجموعة “تشاينا إيفرجراند” التي تعد إحدى أكبر الشركات العقارية في الصين، عتبة الـ305 مليارات دولار جراء التوسع الكبير في الأعوام الماضية.
وخلال الفترة الماضية تجاوزت أكثر من عشر شركات عقارية كبرى في الصين الخطوط الحمراء الحكومية. ولأن السوق العقارية في هذه البلاد واسعة للغاية، فالخوف يبقى دائما حاضراً من أزمة قد تكون بحجم السوق ذاتها. فالقاعدة المعروفة تستند إلى أن السوق الكبيرة تكون أزمتها إذا ما انفجرت بحجمها وربما أكبر منها، خصوصاً إذا ما كانت لها روابط متشعبة.
والمشكلة تتعاظم أكثر، بفعل ترابط قطاعات محلية صينية متعددة مباشرة بالقطاع العقاري، بما فيها شركات كل الأحجام، الأمر الذي يبرر “مثلاً” مستوى حصة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي ما بين 25 و29 في المئة. وهي نسبة كبيرة للغاية. فأي انهيار له في أي وقت ولأي سبب، سيكلف الاقتصاد الصيني كثيراً، دون أن ننسى أن هذا الأخير مرت عليه “كغيره من اقتصادات العالم” ضغوط كبيرة من تداعيات جائحة كورونا، إلى جانب طبعاً، الأزمة الراهنة على صعيد التضخم العالمي، ما أثر في مستويات النمو كله.
وتراهن الحكومة الصينية على نمو مرتفع بعض الشيء لتعويض خسائر توقف الاقتصاد خلال الأزمة الصحية العالمية، إلا أن المسألة ليست بالسهولة المتوقعة في هذه الفترة العصيبة.
تجربة انهيار أسواق الرهن العقاري في الولايات المتحدة عام 2008 كانت قاسية، ولا أحد يريد تكرار تلك الأحداث، وما استتبعتها من انهيار في سوق السندات، وتعرض النظام المصرفي إلى خطر كبير مع إفلاس بنوك كانت تصنف من العمالقة.
وبدأت تلك التجربة مع توسع كبير في الرهون العقارية التي كانت تصدر في مقابلها سندات، ثم مع بدايات الأزمة ظهر تعثر عديد من العملاء في سداد أقساط الرهون، ومن ثم انطلقت موجات البيع القسري التي انتهت بكارثة عمت العالم، وجرى حل تلك الإشكالية من خلال برامج التيسير الكمي، وشراء الحكومات الأصول السيئة.