نجوم في بلاط صاحبة الجلالة!

لايت نيوز

استمع الي المقالة
0:00

نجوم في بلاط صاحبة الجلالة!

ذكريات صحفية | كتب : أحمد عمر
مؤسس ورئيس تحرير مجله ماجد الأسبق

dokicairo@yahoo.com

تعبير «صاحبة الجلالة» يُطلق على عالم الصحافة، وما يدور في أروقته من أحداث.

أتيح لي خلال رحلة في هذا العالم امتدت لأكثر من ٦٠ عامًا، وما زالت مستمرة، أن ألتقي نخبة من نجوم الصحافة، أسعد بأن أقدم لكم أحدهم بين حين وآخر.

أول من أتشرف بتقديمه لكم، نجم عشق الصحافة ولمع نجمه رغم أنه كان يعيش في مدينة بورسعيد، ويعمل مراسلًا لأخبار اليوم.
رغم تعلقه بالعمل الصحفي فقد حرص على دراسة الصحافة دراسة علمية، والتحق بقسم الصحافة جامعة القاهرة، حيث كانت فرصتي للتعرف عليه عن قرب.. إنه الصحفي اللامع مصطفى شردي.

وهو مراسل للأخبار في بورسعيد، ويدرس في الجامعة، كانت تحقيقاته الصحفية تملأ صفحات مجلات وصحف أخبار اليوم.. كل هذا قد يبدو عاديًا، وينافسه عدد كبير من الصحفيين اللامعين، أما الحدث الأكبر الذي حول مصطفى شردي إلى نجم متلألئ في عالم الصحافة كان عام ١٩٥٦.

أثناء العدوان الثلاثي واحتلال القوات الأجنبية مدينة بورسعيد وفرض حظر تجوال شامل على المدينة لا دخول ولا خروج.. في نفس الوقت كان أبطال بورسعيد والفدائيون يقاومون الاحتلال.

بالطبع كانت هناك المئات من جثث الشهداء تملأ شوارع المدينة، ولا بد أن تتخلص منها قوات الاحتلال بعيدًا عن المدينة الباسلة، استخدمت في ذلك عربات الإسعاف ومراكب الصيد، لنقل الجثث إلى المدن القريبة، في هذا الوقت كان مصطفى شردي يسجل بالقلم والصورة ما يجري من أحداث في المدينة الباسلة.. حاول أن يرسل الصور إلى أخبار اليوم بالقاهرة ولكن محاولاته لم تنجح.

تفتق ذهنه عن حيلة عبقرية، حمل كل الأفلام التي التقطها، والتي تصور بشاعة الاحتلال واستطاع أن يتسلل إلى عربة إسعاف ودفن نفسه بين الجثث!
أي قوة أعصاب وشجاعة يتحملها إنسان ليظل مدفونًا بين الجثث داخل سيارة إسعاف احتاجت لساعات لتصل إلى مدينة مجاورة، ليجده الناس هناك وهم يخرجون الجثث من سيارة الإسعاف.

كان بين الحياة والموت، لكن سرعان ما استمد قوته واستقل أقرب سيارة تنقله إلى مقر أخبار اليوم في شارع الصحافة بالقاهرة.

بمجرد وصوله تم طبع عشرات الأفلام التي صورها، والتي كشفت عن بشاعة الجرائم التي ارتكبها جنود العدوان الثلاثي ضد المدنيين.. كانت الصور أكبر دليل على جرائم الحرب التي ارتكبت أثناء العدوان الثلاثي على مصر.

حين شاهد الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين هذه الصور، اتصل على الفور بالزعيم جمال عبدالناصر، الذي طلب منه أن يشاهد الصور فورًا.

استقل مصطفى أمين سيارته وتوجه إلى قصر الرئاسة، وعرض الصور على الزعيم عبدالناصر.. اقترح أن ترسل الصور إلى كل الصحف العالمية، لكشف الفظائع التي ارتكبت في بورسعيد.. وافق عبدالناصر، وخرج مصطفى أمين من الرئاسة متجهًا إلى المطار في رحلة إلى أوروبا استطاع خلالها أن ينشر الصور وأن تنال مصر تعاطف الشعوب الأوروبية لتخرج المظاهرات المنددة بالعنوان الثلاثي على مصر.

وتوالت نجاحات مصطفى شردي، في العديد من الأعمال التي قام بها.

في عام ١٩٧١ وجهت إليه الدعوة لزيارة أبوظبي، التي كانت تعيش أيامًا تاريخية وهي تستعد للاحتفال بإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في ٢ ديسمبر بالتحديد.

خلال زيارة مصطفى شردي أبدى دهشته ألا تكون هناك جريدة يومية تنقل الأحداث التاريخية التي تعيشها المنطقة.. اقترح إصدار جريدة يومية، خلال أسبوع إعلان قيام اتحاد الإمارات.. كانت فكرة جريئة، بل مستحيلة، لكن مصطفى شردي لا يعرف المستحيل.. استعان بعدد محدود جدًا من العاملين، معظمهم لم يعمل في الصحافة من قبل، وقرر أن يخوض تجربة إصدار الصحيفة مهما كان الجهد، بما في ذلك النوم ساعتين فقط كل يوم.. اختار الشيخ زايد اسم الجريدة وكان «الاتحاد».
كانت في أبوظبي مطبعة بدائية تم تجهيزها بسرعة فائقة، وكان السند الأول محمد بدر المصور الخاص للشيخ زايد الذي زود المطبوع الجديد بمئات الصور التي تم التقاطها خلال الاحتفالات.
بدأت احتفالات قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة، ورفع الشيخ زايد علم الاتحاد بحضور حكام الإمارات.
في صباح اليوم التالي كانت جريدة الاتحاد في كل مكان تحمل صور إعلان الاتحاد.. كان أكثر الناس سعادة بالجريدة اليومية المغفور له الشيخ زايد.
استمر صدور الجريدة سبعة أيام متتالية ثم توقف.. طلب من مصطفى شردي أن يجهز لإعادة إصدار الجريدة بشكل يومي.. كان هذا يتطلب استعدادات استمرت حوالي أربعة أشهر.. توجه وكيل وزارة الإعلام الأستاذ راشد عبدالله إلى القاهرة وتعاقد مع نخبة من الصحفيين، منهم الأساتذة جلال عارف، جمال بدوي، عباس الطرابيلي، يحيي بدر.. كان لي حظ أن أكون ضمن هذه المجموعة التي ضمت أيضًا الزملاء حمدي تمام وعبلة النويس. عاونت مصطفى شردي في إصدار جريدة الاتحاد، أول جريدة يومية في الإمارات، التي ما زالت تصدر حتى الآن وتتصدر مكانًا مرموقًا في عالم صاحبة الجلالة.
لم تتوقف نجومية مصطفى شردي عند هذا الحد، بل استمرت ليتولى بعد ذلك رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة، ثم جريدة الوفد.
رحلة عنوانها النجاح بامتياز.
للذكريات بقية
موعدنا معها الشهر المقبل باذن الله